131
البضاعة المزجاة المجلد الأول

يتوسّط أحد في شفاعة غيره بينه وبين اللّه ، لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل، ولا غيرهم توسّطاً بدون الطاعة ، بل توسّطهم في ذلك مشروط بها .وفيه ترغيب لكلّ أحد في طاعة اللّه بأنّ كلّ من توسّط بين اللّه وبين خلقه كان توسّطه بحسب طاعته له، فينبغي أن يجتهد فيها كمال الجدّ ليبلغ كمال درجة الإيمان .ثمّ اعلم أنّ الظاهر أنّ «ملك» بالرفع اسم «ليس» ، و«من خلقه» بيان لأحد ، والظرف متعلّق بليس ، والخبر محذوف ، أي متوسّطا أو وسيلة .وقيل : الأظهر أنّ «ملك» بدل «من الخلق» ، وأنّ اسم «ليس» محذوف ، أي ليس بين اللّه وبين أحد من الخلائق شيء نافع إلّا الطاعة . ۱ وفيه ما فيه .(وقال : وعليكم بطاعة ربّكم ما استطعتم) .
قيل: أمر عليه السلام في هذا الحديث بطاعة الربّ مكرّراً لاقتضاء المقام المبالغة فيه ؛ لأنّ القائل بالحقّ قليل ، واللسان عن الصدق كليل ، والناس معتكفون على العصيان ، وراغبون في المعصية والطغيان . ۲ (فإنّ اللّه) المستجمع لجميع صفات الكمال ، القادر القاهر (ربّكم) أخرجكم من ظلمات العدم ، وأفاض عليكم نور الوجود وتوابعه من الكمالات ، وربّاكم في جميع الحالات ، وكلّ ذلك يقتضي الطاعة له بقدر الاستطاعة .(واعلموا أنّ الإسلام هو التسليم) أي الانقياد للّه ـ عزّ وجلّ ـ في أوامره ونواهيه ، والرضا بقضائه ، والمتابعة لرسوله فيما جاء به ، والإذعان لأئمّة الحقّ في جميع ما يصدر عنه ، وإن بعد عن الفهم ، وخفي وجهه .والحاصل أنّ الإسلام ليس بمجرّد القول .
(والتسليم هو الإسلام) لعلّ المراد أنّهما متلازمان في الوجود ، ومتساويان في الصدق ، وفي تعريفهما باللام وتوسيط ضمير الفعل إيماء إلى اتّحاد الحقيقة ؛ يعني إن عرفت معنى الإسلام والتسليم وحقيقتهما ، فهذا ذاك ، لكن يمكن حمله على التأكيد والمبالغة في التلازم ، كما يفهم من قوله : (فمن سلّم فقد أسلم ، ومن لم يسلّم فلا إسلام له) ؛ فإنّ وجود اللازم

1.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۰ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
130

فلا يرد أنّ النسيان لا يعدّ عصياناً ، وفسّره به أبو جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» . ۱ وقال الجوهري :
النسيان بكسر النون : خلاف الذكر والحفظ ، وقد نسيت الشيء نسياناً، والنسيان : الترك ، قال اللّه تعالى : «نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ»۲ ، وقوله : «وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ»۳ . ۴ (فذلك معنى قول اللّه) .
قال اللّه تعالى في سورة آل عمران : «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَا اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا» .قال الجوهري : «أصرّ على الشيء ، إذا أقام ودام» . ۵
وقال البيضاوي : «أي ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين لقوله صلى الله عليه و آله : ما أصرّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرّة» . ۶«وَهُمْ يَعْلَمُونَ»۷ حال من «يُصرّوا»، أي ولم يصرّوا على قبيح فعلهم عالمين به . ۸ وقوله : (أكبّه اللّه على وجهه في النار) .
قال الفيروزآبادي : «كبّه : قلبه وصَرعه ، فأكبّ وهو لازم متعدّ» . ۹ وقال الجوهري :
كبّه [اللّه ] لوجهه ، أي صرعه ، فأكبّ هو على وجهه ، وهذا من النوادر أن يقال : أفعلتُ أنا ، وفعلتُ غيري ، يقال : كبّ اللّه عدوّ المسلمين ، ولا يقال : أكبّ . ۱۰ انتهى ، فتأمّل .
(واعلموا أنّه ليس بين اللّه وبين أحد من خلقه ملك مقرّب) إلى قوله : (ولا قوّة إلّا باللّه) أي لا

1.طه (۲۰) : ۱۱۵ .

2.التوبة (۹) : ۶۷ .

3.البقرة (۲) : ۲۳۷ .

4.الصحاح، ج ۶، ص ۲۵۰۸ (نسا) مع التلخيص.

5.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۵۷۹ (صرر) .

6.تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۹۴ . وراجع : سنن أبي داود ، ج ۱ ، ص ۳۳۹ ، ح ۱۵۴۱ ؛ سنن الترمذي ، ج ۵ ، ص ۲۱۸ ، ح۳۶۳۱ ؛ السنن الكبرى ، ج ۱۰ ، ص ۱۸۸ .

7.آل عمران (۳) : ۱۳۵ .

8.راجع : تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۹۴ .

9.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۲۱ (كبب) .

10.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۲۰۷ (كبب) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 113417
صفحه از 630
پرینت  ارسال به