يتوسّط أحد في شفاعة غيره بينه وبين اللّه ، لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل، ولا غيرهم توسّطاً بدون الطاعة ، بل توسّطهم في ذلك مشروط بها .وفيه ترغيب لكلّ أحد في طاعة اللّه بأنّ كلّ من توسّط بين اللّه وبين خلقه كان توسّطه بحسب طاعته له، فينبغي أن يجتهد فيها كمال الجدّ ليبلغ كمال درجة الإيمان .ثمّ اعلم أنّ الظاهر أنّ «ملك» بالرفع اسم «ليس» ، و«من خلقه» بيان لأحد ، والظرف متعلّق بليس ، والخبر محذوف ، أي متوسّطا أو وسيلة .وقيل : الأظهر أنّ «ملك» بدل «من الخلق» ، وأنّ اسم «ليس» محذوف ، أي ليس بين اللّه وبين أحد من الخلائق شيء نافع إلّا الطاعة . ۱ وفيه ما فيه .(وقال : وعليكم بطاعة ربّكم ما استطعتم) .
قيل: أمر عليه السلام في هذا الحديث بطاعة الربّ مكرّراً لاقتضاء المقام المبالغة فيه ؛ لأنّ القائل بالحقّ قليل ، واللسان عن الصدق كليل ، والناس معتكفون على العصيان ، وراغبون في المعصية والطغيان . ۲ (فإنّ اللّه) المستجمع لجميع صفات الكمال ، القادر القاهر (ربّكم) أخرجكم من ظلمات العدم ، وأفاض عليكم نور الوجود وتوابعه من الكمالات ، وربّاكم في جميع الحالات ، وكلّ ذلك يقتضي الطاعة له بقدر الاستطاعة .(واعلموا أنّ الإسلام هو التسليم) أي الانقياد للّه ـ عزّ وجلّ ـ في أوامره ونواهيه ، والرضا بقضائه ، والمتابعة لرسوله فيما جاء به ، والإذعان لأئمّة الحقّ في جميع ما يصدر عنه ، وإن بعد عن الفهم ، وخفي وجهه .والحاصل أنّ الإسلام ليس بمجرّد القول .
(والتسليم هو الإسلام) لعلّ المراد أنّهما متلازمان في الوجود ، ومتساويان في الصدق ، وفي تعريفهما باللام وتوسيط ضمير الفعل إيماء إلى اتّحاد الحقيقة ؛ يعني إن عرفت معنى الإسلام والتسليم وحقيقتهما ، فهذا ذاك ، لكن يمكن حمله على التأكيد والمبالغة في التلازم ، كما يفهم من قوله : (فمن سلّم فقد أسلم ، ومن لم يسلّم فلا إسلام له) ؛ فإنّ وجود اللازم