133
البضاعة المزجاة المجلد الأول

المشيّة ، فالظاهر أنّ مراده عليه السلام أنّ الذي أبرم أمره قسمان . ۱ انتهى ، فليتأمّل .
(واعلموا أنّه ليس يُغني عنكم) إلى قوله : (ولا من دون ذلك) .قال الجزري : «أغن عنّي شرك ، أي أصرفه وكفّه ، ومنه «لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللّهِ شَيْئاً»۲ » ۳ انتهى ، أي لا يصرف ولا يكفّ عنكم أحد ممّن ذكر شيئاً من عقوبة اللّه إلّا برضاه عنكم ، ولم يذكر الاستثناء لظهوره وشيوعه في الآيات والأخبار ، كقوله تعالى : «وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَا لِمَنِ ارْتَضى»۴ ، ولدلالة التفريع عليه ، وهو قوله : (فمن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند اللّه فليطلب إلى اللّه) أي فليتضرّع إليه، أو فليرغب إليه .قال الفيروزآبادي : «طلبه: حاول وجوده ، وطلب إليّ : رغب». ۵
(أن يَرضى عنه) .قيل : المراد بطلب الرضا طلب وسيلة له ، وهي طاعة اللّه وطاعة رسوله وطاعة الإمام ؛ فإنّه إن صدر منه حينئذٍ ما يوجب سخط اللّه من ترك بعض الطاعات ، وفعل بعض المنهيّات [و] تدركه الرحمة والشفاعة بإذن اللّه لرضائه عنه من وجه آخر ، فاستحقّ بذلك قبولهما . ۶ (واعلموا أنّ أحداً من خلق اللّه) إلى قوله : (ولم ينكر لهم فضلاً عظم ولا صغر) .
في بعض النسخ: «أو صغر» .وقيل : المراد بالفضل العظيم ما لا يصل إليه الفهم ، ويستبعده العقل ، ولا يعرف حقيقته ، وبالصغير ما هو خلاف ذلك .
والظاهر أنّ قوله : «ومعصيتهم» عطف على اسم «أنّ» ، وقوله : «ولم ينكر» على خبرها ، وفيه شَيء؛ لأنّ كثيراً من الناس أنكروا فضلهم ، بل نصبوا عداوتهم .

1.نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۱ ، ثمّ قال : «أقول : يريد أنّ الذي وقع الحتم فيه قسمان لا ثالث لهما ؛ لأنّه إمّا مقرّ بالولايات المذكورة متمسّك بشروطهما ، أو منكر لشى ء منها ، فالأوّل محسن ، والثاني مُسيء ، وأمّا المستضعف وهو من لم يقرّ ولم ينكر، فهو خارج عن المقسم ، فلا يرد أنّه قسم ثالث» .

2.الجاثية (۴۵) : ۱۹ .

3.النهاية ، ج ۳ ، ص ۳۹۲ (غنو) .

4.الأنبياء (۲۱) : ۲۸ .

5.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۹۷ (طلب) مع التلخيص .

6.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۲ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
132

دليل على وجود الملزوم ، وعدمه على عدمه .
(ومن سرّه أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان، فليطع اللّه) .الإبلاغ : الإيصال ، كالتبليغ . يقال : أبلغ إليه شيئاً ، أي أوصل إليه .
وقيل : كلمة «في» هنا زائدة للتأكيد ، مثل «ارْكَبُوا فِيهَا» ، ۱ أو هو كإلى متعلّق ب «يبلغ» بتضمين معنى الاجتهاد ، أو بمفعول مقدّر ، أي من سرّه أن يوصل إلى نفسه اجتهاداً في الإحسان ، فليطع اللّه في أوامره ونواهيه . ۲ وقال بعض الأفاضل :
كان الإبلاغ هنا بمعنى المبالغة . يقال : بالغ في أمره ، أي اجتهد . وقوله : «إلى نفسه» متعلّق بالإحسان ، أي يبالغ ويجتهد في الإحسان إلى نفسه ، فهذا هو الظاهر بحسب المعنى ، ويؤيّده ما ذكر في الإساءة .وفي تقديم معمول المصدر عليه إشكال ، ويجوز تأويله كما هو الشائع . ولعلّ التقديم والتأخير من النسّاخ .
ويحتمل أن يكون الإبلاغ بمعنى الإيصال ، أي أراد أن يوصل إلى نفسه أمراً كاملاً في الإحسان .والأوّل أظهر ، والشائع في مثل هذا المقام «بلغ» من المجرّد . يقال: بلغ الكرم ، أي حدّ الكمال فيه . ۳ وقوله : (وإيّاكم ومعاصي اللّه أن تَركبوها) أي تقترفوها .
قال الفيروزآبادي : «ركبه ـ كسمعه ـ ركوباً ومركباً : علاه ، كارتكبه ، والذنب : اقترفه ، كارتكبه» . ۴ (وليس بين الإحسان والإساءة منزلة ... ) .
قال الفاضل الإسترآبادي :قد تواترت الأخبار عن الأئمّة الأطهار بأنّ الناس ثلاثة أصناف : منهم من هو تحت

1.هود (۱۱) : ۴۱ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۱ .

3.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۲ .

4.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۷۵ (ركب) . وفي شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۱ : «أي تتّبعوها ، من ركبت الأثر إذا تبعته ، أو تعلوها بتشبيه المعصية بالدابّة في إيصال صاحبها إلى منزل الشقاوة ، ونسبة الركوب إليها مكنيّة وتخييليّة» .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 113379
صفحه از 630
پرینت  ارسال به