135
البضاعة المزجاة المجلد الأول

( «وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً» ) يخرجهم منه ، ويدفع عنهم العقوبة بالشفاعة وغيرها .وقيل : فيه دلالة على خلودهم في النار . ۱
(ولا يَعرفنّ ۲ أحد منكم ألزم اللّه قلبه طاعَتَه وخَشيته من أحد من الناس) .في بعض النسخ : «ممّن» بدل قوله: «من الناس» .
ولعلّ قوله : «من أحد» متعلّق بـ «لا يعرفنّ» على صيغة المجرّد المجهول المؤكّد بالنون الثقيلة أو الخفيفة ، والمراد بالناس المخالفون .وقوله : «ألزم» صفة ل «أحد» ، والمراد به أهل الولاية ، أي لا يفعل أحد منكم عندهم ما يعرف به ويتميّز عنهم ، ففيه ترغيب في التقيّة ، ونهي عن تركها .وقال بعض الأفاضل :
كأنّ قوله : «لا يعرفنّ» من باب التفعيل ، والمفعول الأوّل مقدّر ، أي لا يُعرّف أحد منكم نفسه أحداً من الناس، أي العامّة . و«من» زائدة لتأكيد النفي ، أي لا تجعلوا أنفسكم معروفين عند المخالفين بالتشيّع ، أو المراد : لا تعرّفوهم دين الحقّ ؛ فإنّهم شياطين لا ينفعهم ذلك ، ويصل إليكم ضررهم .أو بالتخفيف من المعرفة ، ويكون كناية عن المحبّة والمواصلة، أي ينبغي لكم أن لا تعرفوهم فضلاً عن أن تحبّوهم وتتّخذوهم أولياء .
وعلى هذا يحتمل أن لا تكون «من» زائدة ، بل ابتدائيّة ، أي لا تعرفوا ولا تتعرّفوا شيئا منهم ؛ فإنّهم يريدون إضلالكم . ۳ انتهى .وفي بعض النسخ : «لا يفرقنّ» ، وكأنّه من الفَرق بمعنى الفصل والتمييز ؛ يقال : فرّقت بين الشيئين أفرق فَرقاً وفُرقانا ، أو من الفُرقة ـ بالضمّ ـ ضدّ الاُلفة .وقيل : هو من الفَرَق بمعنى الخوف ، أي لا تخافوهم ؛ فإنّهم الشياطين ، و «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً»۴ . ۵

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۲ .

2.في كلتا الطبعتين : «لا يفرقنّ» .

3.القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۳ .

4.النساء (۴) : ۷۶ .

5.قاله العلّامة المازندراني رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۴ . وفي حاشية النسخة : «لعلّ غرضه : لا تخافوا من إضلالهم ووساوسهم . منه» .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
134

ولعلّ المراد بعدم إنكار أحد عدم الإنكار ولو حين الاحتضار ؛ لدلالة بعض الروايات على أنّ المنكرين يعترفون بفضلهم حينئذٍ .أو المراد به العلم بفضلهم وإن لم يصدقوا به ، أو المراد أنّه ينبغي عدم إنكار فضلهم .
أو المراد بالخلق الأنبياء والأوصياء وأهل المعرفة من الاُمم السابقة ومن هذه الاُمّة . ۱ انتهى .وأنت خبير بما في هذه التوجيهات من التكلّفات ، بل يحتمل أن يكون الواو في قوله: «ومعصيتهم» للاستئناف ، وفي قوله : «ولم ينكر» بالبناء للمفعول للعطف على «معصيتهم» .ويحتمل كونها للحال في الموضعين ، ومعنى «لم ينكر» أنّ فضلهم في غاية الوضوح عند كلّ أحد بحيث لا ينبغي أن ينكره ، كما قيل في قوله تعالى : «لَا رَيْبَ فِيهِ» . ۲ (واعلموا أنّ المنكرين هم المكذّبون) .
لعلّ المراد بالإنكار عدم المعرفة كما في قوله تعالى : «فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ»۳ ، ويكون الغرض أنّ عدم المعرفة أيضاً تكذيب .ويحتمل أن يراد به الجحود ، والمعنى أنّ منكر واحد من الأئمّة عليهم السلام ومنكر فضلهم مكذّب للّه ورسوله .
(وأنّ المكذّبين هم المنافقون) الذين ذكرهم اللّه في كتابه ، وحكم بكفرهم .(وأنّ اللّه قال للمنافقين) في سورة النساء (وقوله الحقّ: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»۴ ) .
قيل: هو الطبقة التي في قعر جهنّم . وقيل : توابيت من نار تطبق على أهلها .وقال بعض المفسّرين : «إنّما كانوا كذلك ؛ لأنّهم أخبث الكفرة، إذ ضمّنوا إلى الكفر استهزاء بالإسلام وخداعاً للمسلمين» . ۵

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۲ .

2.البقرة (۲) : ۲ .

3.يوسف (۱۲) : ۵۸ .

4.النساء (۴) : ۱۴۵ .

5.راجع : تفسير جوامع الجامع ، ج ۱ ، ص ۴۵۵ ؛ تفسير مجمع البيان ، ج ۳ ، ص ۲۲۳ ؛ جامع البيان ، ج ۵ ، ص ۴۵۴ ؛ تفسير الثعلبي ، ج ۳ ، ص ۴۰۵ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۵ ، ص ۴۲۵ ؛ تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۲۷۱ (ذيل الآية الشريفة) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 113380
صفحه از 630
پرینت  ارسال به