137
البضاعة المزجاة المجلد الأول

والمكر : الخديعة ـ وهي الخَتل ـ وإرادة المكروه من حيث لا يعلم .والوسوسة : حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير .
وقيل : المراد بالأوّل هنا استعمال الحذق في التصرّف في الاُمور المتوصّل بها إلى المقصود ، وبالمكر إيصال المكروه من حيث لا يعلم ، وبالخديعة هذا المعنى ، أو تلبيس شبهات باطلة بلباس الحقّ لانخداع الغير بها ، وبالوسوسة مشاورة بعضهم بعضاً في تحصيل أسباب الغلبة والإضرار . ۱ وقوله : (يريدون إن استطاعوا ... ) استئناف لجواب سؤال مقدّر كان قائلاً يقول : ما غرضهم من الحيلة وما عطف عليها ؟
فأجاب بأنّ غرضهم (أن يَرُدّوا أهل الحقّ عمّا أكرمهم اللّه به من النظر في دين اللّه) .النظر محرّكة : التأمّل بالعين والرقّة والرحمة ، والإعانة ، والفكر في الشيء يقدّره ويقيسه .
والمراد بدين اللّه الدين الذي أنزله إلى رسوله ، وأكمله بولاية وليّ الأمر .وقيل : المراد بالنظر فيه العلم به ، والتصديق بحقّيّته . ۲
وقوله : (إرادة أن يستوي أعداءُ اللّه وأهل الحقّ) مفعول له للإرادة .وقيل : الأصل أن يستوون هم وأهل الحقّ، عدل عن الضمير إلى الظاهر لقصد ذمّهم صريحاً بنسبة العداوة إليهم، ولعدم حاجة صحّة العطف إلى ضمير الفعل .(في الشكّ والإنكار والتكذيب) متعلّق بالاستواء ، والشكّ في الأصل عدم اليقين .
ولعلّ المراد به هنا دينهم الباطل ، أو الشكّ في دين الحقّ ، وبالإنكار ردّ قول اللّه سبحانه وجحوده ، وبالتكذيب عدم التصديق بقول النبي صلى الله عليه و آله فيما جاء به ، سيّما أمر الولاية .(فيكونون سواء) فيما ذكر .
(كما وصف اللّه تعالى في كتابه من قوله) في سورة النساء : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا» أي تمنّوا أن تكفروا ككفرهم . «فَتَكُونُونَ سَوَاءً»۳ معهم في الضلال ، وهو عطف على «تكفرون» . ۴

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۳ .

2.النساء (۴) : ۸۹ .

3.راجع : تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۲۳۱ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
136

(أخرجه اللّه من صفة الحقّ ، ولم يجعله من أهلها). الجملة صفة أحد من الناس ، أو استئناف في جواب من يسأل عن علّة النهي . قيل : إنّما نسب الإخراج من صفة الحقّ ـ وهي القول بالولاية إلى اللّه تعالى ـ لعلمه أزلاً بعدم اتّصاف بها ، واضطراب قلبه من قبولها ، فأخرجه منها ، ولم يجعله من أهلها جبراً ؛ لأنّ الجبر مناف للحكمة ، ومنه يظهر إلزامه تعالى قلب أحد طاعته وصفة الحقّ ؛ لأنّه لمّا علم منه قبولها اختياراً وفّقه لقبولها ، ونصره عليه ، وهذا معنى الإلزام ، فانتفى الجبر في الموضعين ، وملك كلّ أحد ماله باختياره . ۱ (فإنّ من لم يجعله ۲ اللّه من أهل صفة الحقّ ، فاُولئك شياطين الإنس والجنّ) .قيل : الظاهر أنّه تعليل لقوله : «لا يعرفنّ أحد منكم من أحد من الناس» ؛ لتضمّنه معنى الشيطنة التي تقتضي الحذر منهم بالتقيّة .
وحينئذ يكون قوله: (فإنّ لشياطين الإنس) بياناً وتفصيلاً لما تضمّنه معنى الشيطنة، ويحتمل كونه تفصيلاً وبياناً لإثبات معنى آخر للمخرجين من صفة الحقّ ، وهو التمرّد والشيطنة . ۳ ولعلّ المراد بمَن الموصولة الإنس والجنّ ، فمعنى حملهاعليها شياطين الإنس إن كانوا من الإنس، وشياطين الجنّ إن كانوا من الجنّ .ويحتمل أن يراد بها الإنس خاصّة ، فحمل شياطين الجنّ عليها من باب التشبيه في الشيطنة ، أو إشارة إلى إلحاقهم بشياطين الجنّ بعد موتهم ، كما قاله بعض المفسّرين في قوله تعالى : «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْاءِ نْسِ»۴ . ۵ (حيلة ومكراً وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض) .
الحيلة : الحَذق، وجودة النظر ، والقدرة على التصرّف .

1.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۲ و۱۷۳ .

2.في الطبعة القديمة للكافي والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «لم يجعل» .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۳ .

4.الأنعام (۶) : ۱۲۸ .

5.في الحاشية : «في سورة الأنعام : «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ» يعني الشياطين «قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْاءِنْسِ» أي من إغوائهم وإضلالهم ، أو منهم جعلتموهم أتباعكم ، فحشروا معكم ، كقولهم : استكثر الأمير من الجنود . البيضاوي» . تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۴۵۲ . وانظر للمزيد : التبيان للطوسي ، ج ۴ ، ص ۲۷۲ ؛ تفسير مجمع البيان ، ج ۴ ، ص ۱۶۱ ؛ تفسير الثعلبي ، ج ۴ ، ص ۱۹۰ ؛ تفسير السمعاني ، ج ۲ ، ص ۱۴۴ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 113356
صفحه از 630
پرینت  ارسال به