147
البضاعة المزجاة المجلد الأول

لعلّ الغرض إثبات التلازم بين التجبّرين بكون الأوّل سبباً لحصول الثاني ، وكون وجود الثاني دليلاً على وجود الأوّل .(فاستقيموا للّه) .
قال الجوهري : «الاستقامة : الاعتدال . يقال : استقام له الأمر» ، ۱ انتهى .ولعلّ المراد بالاستقامة له الثبوت على عهده وولايته وطاعة من أمر بطاعته .
(ولا تَرتدّوا على أعقابكم) أي لا ترجعوا مدبرين بسبب العصيان وعدم الوثوق على اللّه .(فتنقلبوا خاسرين) عن ثواب الدارين .
ويجوز جزم «فتنقلبوا» على العطف ، ونصبه على الجواب.وقوله عليه السلام : (إنّ العبد إذا كان خلقه اللّه في الأصل ـ أصل الخلق ـ مؤمناً) .
أصل الثاني بدل من الأوّل، واُريد بالخلق : الإيجاد ، أو التقدير ، وبأصله الوجود الظلّي ، أو العيني .و«مؤمناً» حال عن مفعول «خلقه» ، أو تميز عن النسبة فيه .
وقيل : اللازم على التقديرين أن يكون خلق العبد مقروناً بإيمانه في علم اللّه ، ولا يلزم أن يكون إيمانه من فعله تعالى ، كما في قولك : ضربتُ زيداً قائماً ، إذا جعل قائماً حالاً من زيد .(لم يَمُت) هذا العبد المؤمن (حتّى يكرّه اللّه إليه الشرّ ، ويُباعده منه) وإن كان ارتكب شرّاً أو كفراً إحياناً .
قال الفيروزآبادي : «كرّهه إليه تكريهاً : صيّره كريهاً ، والكَره ويضمّ : الإباء والمشقّة ، أو بالضمّ : ما أكرهت نفسك عليه ، وبالفتح : ما أكرهك غيرك عليه» . ۲ وقال الفاضل الإسترآبادي : قوله : «حتّى يكرّه اللّه إليه الشرّ» إلخ ، تفسير لقوله تعالى: «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشآءُ» ، ۳ فعُلم أنّ مراده تعالى من الهداية هنا أن يخلق في القلب حبّ الحقّ وكراهة الباطل .(ومن كرّه اللّه إليه الشرّ) بلطفه وتوفيقه (وباعده عنه ۴ ) بحيلولته بينه وبين الشرّ .

1.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۲۰۱۷ (قوم) .

2.القاموس المحيط، ج۴، ص۲۹۱ (كره).

3.القصص (۲۸) : ۵۶ .

4.في الحاشية عن بعض النسخ: «منه».


البضاعة المزجاة المجلد الأول
146

(فخُذوا به، وتفهّموه، واعقِلوه، ولا تنبذوه وراء ظهوركم) .في القاموس : «فَهِمه ـ كفرح ـ فَهَماً وفَهْماً : علمه ، وعرفه بالقلب». ۱
وقال الجوهري : «تفهّم الكلام ، إذا فهمه شيئاً بعد شيء» . ۲ وفي القاموس : «عَقَل الشيء يَعقل عقلاً : فهمه . والدواء بطنه: أمسكه» . ۳
وفيه : النبذ : «طرحك الشيء أمامك ، أو ورائك ، أو عام ، والفعل : كضرب» . ۴ وقيل : الفرق بين تلك الاُمور أنّه عليه السلام أمر أوّلاً بالأخذ به ، وهو تناوله وقبوله بالقلب ، وثانياً بتفهّمه وهو معرفته ومعرفة حسنه وكماله ، وثالثاً بعقله وهو الغور فيه وإدراك حسن عاقبته وإمساكه وحفظه ، فهذه اُمور ثلاثة لابدّ منها في كلّ مطلوب . ۵ (ما وافق هُداكم أخذتم به، وما وافق هواكم طرحتموه) .
في بعض النسخ : «اطّرحتموه» .يقال : طرحه وبه ـ كمنع ـ أي رماه وأبعده ، كأطرحه وطرّحه .
وقوله : (ولم تأخذوا به) كالتأكيد لسابقه .والهدى في الأصل : الرشاد والدلالة . والمراد هنا قوانين شرعيّة مستنبطة من الكتاب والسنّة والموازين القطعيّة .
والهوى بالقصر : إرادة النفس ومشتهياتها .والإضافة فيهما لاميّة ، والظاهر أنّ الخبر هنا بمعنى الأمر .
(وإيّاكم والتجبّر على اللّه) .أي التكبّر عليه بترك الامتثال بأوامره ، وعدم الانزجار عن نواهيه ، والإعراض عن نصائحه ومواعظه ، وعدم المبالاة بأحكامه وشرائعه .أو المراد به التكبّر على أئمّة الحقّ وعلى أولياء اللّه ؛ فإنّه ينجرّ إلى التكبّر على اللّه .
(واعلموا أنّ عبداً لم يُبتل) على البناء للمفعول (بالتجبّر على اللّه إلّا تَجَبّر على دين اللّه).

1.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۶۱ (فهم) .

2.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۲۰۵۵ (فهم) .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۸ (عقل) .

4.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۳۵۹ (نبذ) .

5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۷۷ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110932
صفحه از 630
پرینت  ارسال به