159
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وقيل : إنّما نسب الجميع إليه تعالى مع أنّ أكثر ذلك فعل العبد باعتبار توفيقه إيّاه . ۱ (تمّ له إسلامه ...) .
المراد بالإسلام هنا ما هو أخصّ من الإيمان ، وربّما استدلّ بهذا وأمثاله على كون العمل خارجاً عن حقيقة الإسلام متمّماً له موجباً لكماله .وقوله : (وكله إلى نفسه) أي خَلاه مع نفسه الأمّارة بالسوء ، وسلب عنه التوفيق جزاء لعمله . يقال : وَكّل إليه الأمر ـ كوعد ـ وَكلاً ووُكولاً ، إذا سلّمه وتركه .(وكان صدرُه ضَيّقاً حَرَجاً) بحيث يأبى عن الإيمان ، ويستوهم الحقّ .
قال الجوهري :ضاق الشيء يضيق ضَيقاً وضَيّقاً ، والضيق أيضاً تخفيف الضيّق ، والضيق أيضاً جمع الضَيقة ، وهي الفقر وسوء الحال. ۲ وقال :
مكان حَرِج وحَرَج، أي ضيّق كثير الشجر ، لا تصل إليه الراعية، وقرئ: «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرِجاً»۳ وحَرَجاً ، وقد حَرج صدره يَحرج حَرجَاً. ۴ انتهى .وقيل : الحرج : الضيق ، أو أشدّ أفراده ، فعل الأوّل تأكيد ، وعلى الثاني تأسيس ومبالغة في عدم قبوله الحقّ وإنكار أهله . ۵ (فإن جرى على لسانه حقّ) اتّفاقاً، أو معلّلاً بالأغراض .
(لم يُعقد قلبُه عليه)؛ لعدم اعتقاده به .(وإذا لم يُعقد قلبه عليه لم يُعطه اللّه العمل به) أي لم يوفّقه له ؛ ضرورة أنّ العمل به متوقّف على اعتقاده .
وقوله : (وأن يجعل مُنقلَبكم مُنقلَبَ الصالحين) .الانقلاب : تحوّل الشيء ظهراً لبطن ، والمنقلب ـ بضمّ الميم وفتح اللام ـ للمكان ، والمصدر كالمنصرف ، أي يجعل مرجعكم أو رجوعكم إلى اللّه ـ عزّ وجلّ ـ في القيامة ، أو

1.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۸۴ .

2.الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۵۱۰ (ضيق) .

3.الأنعام (۶) : ۱۲۵ .

4.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۳۰۵ (حرج) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
158

(فإنّكم إن لم تفعلوا ذلك) المذكور من الاتّصاف بسيرة الصالحين ، أو الأعمّ منه ومن الصبر على البلاء والحذر عن المُماظّة .(لم تُنزلوا عند ربّكم منزلة الصالحين قبلكم)؛ لأنّ منزلتهم الرفيعة ومرتبتهم المنيعة لا يليق إلّا لمن تخلّق بأخلاقهم .(واعلموا أنّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً) .
قيل : لعلّ المراد به اللطف والتوفيق لاستعداد العبد في قبولهما ، أو خلق حبّ الخلق وكراهة الباطل .وقيل : الإذن في دخول الجنّة .
ويستفاد من بعض الأخبار المروي عن الرضا عليه السلام ۱ أنّه الهداية إلى الجنّة في الآخرة بسبب إيمانه في الدنيا . ۲ وقيل : المراد بالإرادة العلم ، وصحّ إطلاقها عليه ، والخير يتمّ سائر الخيرات ، وعلى التقادير لا يرد أنّ اللّه تعالى أراد خير جميع العباد ، فلا وجه للتخصيص ببعضهم . ۳ (شرح صدره للإسلام) أي كشفه ووسّعه ، وهيّأه لقبوله والتزام إكماله .
(فإذا أعطاه ذلك) أي إرادة الخير المستلزم لشرح الصدر .(ونَطَق لسانُه بالحقّ) أي تكلّم بما هو مطابق للواقع . ۴
(وعقد) على بناء الفاعل ، أو المفعول . يقال : عقد البيع والجهل والعهد كضرب ، إذا شدّه .(قلبه عليه) أي عقدا ثابتاً لا يزول بالشبهات والفتن ، واعتقد به حتّى كأنّه مشدود عليه لا يفارقه .
(فإذا جمع اللّه له ذلك) المذكور من إرادة الخير ، وشرح الصدر ، والنطق بالحقّ ، والقصد عليه ، والعمل به .

1.في الحاشية: «في تفسير قوله تعالى: «فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَامِ» » [الأنعام (۶): ۱۲۵].

2.راجع : الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۴۱۱ ؛ التوحيد للصدوق ، ص ۲۴۲ ، ح ۴ ؛ عيون الأخبار ، ج ۱ ، ص ۱۳۱ ، ح ۲۷ ؛ معانيالأخبار ، ص ۱۴۵ ، ح ۲ .

3.اُنظر في كلّ الأقوال : شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۱۸۴ .

4.في شرح المازندراني : «ذلك لظهور أنّ النطق به وعقد القلب عليه فرع العلم ، فتأمّل» .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110656
صفحه از 630
پرینت  ارسال به