161
البضاعة المزجاة المجلد الأول

أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ، فلا تجعلوا اللّه تعالى ـ «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى»۱ ـ وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عُرضة لأهل الباطل ، فتغضبوا اللّه عليكم ، فتهلكوا .فمهلاً مَهلاً يا أهل الصلاح، لا تتركوا أمر اللّه وأمر من أمركم بطاعته ، فيغيّر اللّه ما بكم من نعمة ، أحبّوا في اللّه من وصف صفتكم ، وأبغضوا في اللّه من خالفكم ، وابذُلوا مودّتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم ، ولا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها ، وبغاكم الغوائل .هذا أدبنا أدب اللّه ، فخذوا به ، وتفهّموه ، واعقلوه ، ولا تنبذوه وراء ظهوركم ، ما وافق هداكم أخذتم به ، وما وافق هواكم اطّرحتموه ، ولم تأخذوا به .وإيّاكم والتجبّر على اللّه ، واعلموا أنّ عبداً لم يبتل بالتجبّر على اللّه إلّا تجبّر على دين اللّه ، فاستقيموا للّه ، ولا ترتدّوا على أعقابكم «فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» ، أجارنا اللّه وإيّاكم من التجبّر على اللّه ، ولا قوّة لنا ولكم إلّا باللّه .وقال : إنّ العبد إذا كان خلقه اللّه في الأصل ـ أصل الخلق ـ مؤمناً ، لم يمت حتّى يكرّه اللّه إليه الشرّ ، ويباعده منه ، ومن كرّه اللّه إليه الشرّ وباعده منه عافاه اللّه من الكبر أن يدخله والجبريّة ، فلانت عريكته ، وحسن خلقه ، وطلق وجهه ، وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشّعه وورع عن محارم اللّه ، واجتنب مساخطه ، ورزقه اللّه مودّة الناس ومجاملتهم ، وترك مقاطعة الناس والخصومات ، ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء .وإنّ العبد إذا كان اللّه خلقه في الأصل ـ أصل الخلق ـ كافراً، لم يمت حتّى يحبّب إليه الشرّ ، ويقرّبه منه ، فإذا حبّب إليه الشرّ ، وقرّبه منه ، ابتُلي بالكبر والجبريّة ، فقسا قلبه ، وساء خلقه، وغلظ وجهه ، وظهر فحشه ، وقلّ حياؤه ، وكشف اللّه ستره ، وركب المحارم ، فلم ينزع عنها ، وركب معاصي اللّه ، وأبغض طاعته وأهلها ، فبُعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر .سلوا اللّه العافية ، واطلبوها إليه ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه ، صبّروا النفس على البلاء في الدنيا ؛ فإنّ تتابع البلاء فيها والشدّة في طاعة اللّه وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند اللّه في الآخرة من ملك الدنيا ، وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية اللّه وولاية من نهى اللّه عن ولايته وطاعته ؛ فإنّ اللّه أمر بولاية الأئمّة الذين سمّاهم في كتابه في قوله: «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» ، ۲ وهم الذين أمر اللّه

1.الروم (۳۰) : ۲۷ .

2.الأنبياء (۲۱) : ۷۳ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
160

وقت الموت ، أو مطلقاً كمرجع الصالحين ، أو رجوعهم في الاشتمال على الاستفاضات والسرور والكرامة والروح والراحة .
هذا وإذ قد فرغنا ممّا أردناه من شرح الرسالة على ترتيب النسخ المشهورة ، فلنذكرها على ترتيب النسخة المشار إليها سابقاً . ۱ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
أمّا بعد ، فاسألوا اللّه ربّكم العافية ، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة ؛ وعليكم بالحياء والتنزّه عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم ؛ وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، تحمّلوا الضَّيم منهم ، وإيّاكم ومُماظّتهم ، دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام ؛ فإنّه لا بدّ لكم من مجالستهم ومخاطبتهم ۲ ومنازعتهم الكلام بالتقيّة التي أمركم اللّه أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم ، فإذا ابتُليتم بذلك منهم فإنّهم سيؤذونكم ، وتعرفون في وجوههم المنكر ، ولو لا أنّ اللّه تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم ، وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر ممّا يبدون لكم ، مجالسكم ومجالسهم واحدة ، وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف ، لا تحبّونهم أبداً ، ولا يحبّونكم غير أنّ اللّه تعالى أكرمكم بالحقّ ، وبصّركموه ، ولم يجعلهم من أهله ، فتجاملونهم ، وتصبرون عليهم ، وهم لا مجاملة لهم ، ولا صبر لهم على شيء من اُموركم ، تدفعون أنتم السيّئة «بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» فيما بينكم وبينهم ، تلتمسون بذلك وجه ربّكم بطاعته ، وهم لا خير عندهم ، لا يحلّ لكم أن تظهروهم على اُصول دين اللّه ؛ فإنّهم ۳ إن سمعوا منكم فيه شيئاً عادوكم عليه ، ورفعوه عليكم ، وجاهدوا على هلاكهم ، واستقبلوكم بما تكرهون ، ولم يكن لكم النَّصَف منهم في دُوَل الفجّار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل ؛ فإنّه لا ينبغي لأهل الحقّ أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل ؛ لأنّ اللّه لم يجعل أهل الحقّ عنده بمنزلة أهل الباطل ، أ لم تعرفوا وجه قول اللّه في كتابه إذ يقول : «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ» . ۴

1.قد ضبط المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۹۷ ، ح ۲۵۳۷۸ متن الخبر عن النسخة المشار إليها ، ونقله الغفاري في آخر كتاب الروضة ـ المطبوع بتحقيقه ـ عن الوافي ، فطبّقت أنا ما نقله الشارح رحمه الله هنا وقابلته مع ما في الوافي، وذكرت بعض الفروق الواقعة بينهما .

2.في الحاشية عن بعض النسخ والوافي: «مخالطتهم».

3.في الوافي : «فإنّه» .

4.ص (۳۸) : ۲۸ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110511
صفحه از 630
پرینت  ارسال به