163
البضاعة المزجاة المجلد الأول

الناس بعد قبض اللّه تعالى رسوله ، وبعد عهده الذي عهده ۱ ، وأمرنا به مخالفة للّه ولرسوله صلى الله عليه و آله ، فما أحد أجرأ على اللّه ولا أبين ضلالة ممّن أخذ بذلك ، وزعم أنّ ذلك يسعه ، واللّه إنّ للّه على خلقه أن يطيعوه ويتّبعوا أمره في حياة محمّد صلى الله عليه و آله وبعد موته ، هل يستطيع اُولئك أعداء اللّه أن يزعموا أنّ أحداً ممّن أسلم مع محمّد صلى الله عليه و آله أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه ؟ !فإن قال : نعم ، فقد كذب على اللّه ، و «ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً» ، وإن قال : لا ، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه ، فقد أقرّ بالحجّة على نفسه ، وهو ممّن يزعم أنّ اللّه يطاع ويتّبع أمره بعد قبض اللّه رسوله ، وقد قال اللّه وقوله الحقّ : «وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ» . ۲ وذلك ليعلموا أنّ اللّه يطاع ويتّبع أمره في حياة محمّد صلى الله عليه و آله وبعد قبض اللّه محمّداً صلى الله عليه و آله ، وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمّد صلى الله عليه و آله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافاً لأمر محمّد صلى الله عليه و آله ، فكذلك لم يكن لأحد من الناس من بعد محمّد صلى الله عليه و آله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه .وقال : دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلّا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة؛ فإنّ الناس قد شهروكم بذلك ، «وَاللّهُ الْمُسْتَعانُ» ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه .وقال : أكثروا من أن تدعوا اللّه ؛ فإنّ اللّه يحبّ من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة ، والله مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم به في الجنّة ، فأكثروا ذكر اللّه ما استطعتم في كلّ ساعة من ساعات الليل والنهار؛ فإنّ اللّه تعالى أمر بكثرة الذكر له، واللّه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين .واعلموا أنّ اللّه لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلّا ذكره بخير ، فأعطوا اللّه من أنفسكم الاجتهاد في طاعته؛ فإنّ اللّه لا يُدرَك شيء من الخير عنده إلّا بطاعته واجتناب محارمه التي حرّم اللّه في ظاهر القرآن وباطنه، فإنّ اللّه تعالى قال في كتابه وقوله الحقّ : «وَذَرُوا ظاهِرَ الْاءِثْمِ وَباطِنَهُ»۳ ، واعلموا أنّ ما أمر اللّه أن تجتنبوه فقد حرّمه ۴ ، واتّبعوا آثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسنّته ، فخذوا بها ، ولا تتّبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا ؛ فإنّ أضلّ

1.في الوافي : + «إلينا» .

2.آل عمران (۳) : ۱۴۴ .

3.الأنعام (۶) : ۱۲۰ .

4.في الوافي : + «اللّه » .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
162

تعالى بولايتهم وطاعتهم ، والذين نهى اللّه عن ولايتهم وطاعتهم ، وهم أئمّة الضلالة ۱ الذين قضى اللّه أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء اللّه الأئمّة من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، يعملون في دولتهم بمعصية اللّه ومعصية رسوله ، ليحقّ عليهم كلمة العذاب، وليتمّ أمر اللّه فيهم الذي خلقهم له في الأصل ـ أصل الخلق ـ من الكفر الذي سبق في علم اللّه أن يخلقهم له في الأصل ، ومن الذين سمّاهم اللّه في كتابه في قوله : «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ» . ۲ فتدبّروا هذا ، واعقلوه ، ولا تجهلوه ؛ فإنّ من جهل هذا وأشباهه ممّا افترض اللّه عليه في كتابه ممّا أمر به ونهى عنه ، ترك دين اللّه ، وركب معاصيه ، فاستوجب سخط اللّه ، فأكبّه اللّه على وجهه في النار .وقال : أيّتها العصابة المرحومة المفلحة ، إنّ اللّه أتمّ لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا أنّه ليس من علم اللّه ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق اللّه في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، قد أنزل اللّه القرآن ، وجعل فيه تبيان كلّ شيء، وجعل للقرآن وتعلّم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم اللّه علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، أغناهم اللّه عن ذلك بما آتاهم من علمه، وخصّهم به ، ووضعه عندهم كرامة من اللّه أكرمهم بها ، وهم أهل الذكر الذين أمر اللّه هذه الاُمّة بسؤالهم ، وهم الذين من سألهم ، وقد سبق في علم اللّه أن يصدّقهم ، ويتّبع أمرهم أرشدوه ، وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى اللّه بإذنه وإلى جميع سبل الحقّ ، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي ۳ أكرمهم اللّه به ، وجعله عندهم إلّا من سبق عليه في علم اللّه الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلّة ، فاُولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر ، والذين آتاهم اللّه علم القرآن ، ووضعه عندهم ، وأمر بسؤالهم ، فاُولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم حتّى دخلهم الشيطان ؛ لأنّهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند اللّه كافرين ، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند اللّه مؤمنين ، وحتّى جعلوا ما أحلّ اللّه في كثير من الأمر حراماً ، وجعلوا ما حرّم اللّه في كثير من الأمر حلالاً ، فذلك أصل ثمرة أهوائهم ، وقد عهد إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل موته ، فقالوا : نحن بعد ما قبض اللّه تعالى رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي

1.القصص (۲۸) : ۴۱ .

2.في الوافي : «الضلال» .

3.في الحاشية عن بعض النسخ : «الذين» .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110497
صفحه از 630
پرینت  ارسال به