169
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وكرامة أهلها ، ويل لاُولئك ما أخيب حظّهم ، وأخسر كرّتهم ، وأسوأ حالهم عند ربّهم يوم القيامة .
استجيروا اللّه أن يجريكم في مثالهم أبداً ، وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ، ولا قوّة لنا ولكم إلّا به .فاتّقوا اللّه أيّتها العصابة الناجية ، إن أتمّ اللّه لكم ما أعطاكم ؛ فإنّه لا يتمّ الأمر حتّى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم ، وحتّى تُبتلوا في أنفسكم وأموالكم ، وحتّى تسمعوا من أعداء اللّه أذًى كثيراً ، فتصبروا ، وتعركوا بجنوبكم ، وحتّى يستذلّوكم ويبغضوكم ، وحتّى يحمّلوا عليكم الضيم ، فتحتملوه منهم ، تلتمسون بذلك وجه اللّه والدار الآخرة ، وحتّى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في اللّه تعالى يجترمونه إليكم ، وحتّى يكذّبوكم بالحقّ ، ويعادوكم فيه ، ويبغضوكم عليه ، فتصبروا على ذلك منهم .ومصداق ذلك كلّه في كتاب اللّه تعالى الذي أنزله جبرئيل على نبيّكم ، سمعتم قول اللّه تعالى لنبيّكم صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ»۱ .
ثمّ قال : «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ»۲ ، «فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا» ، فقد كذّب نبيّ اللّه والرسل من قبله ، واُوذوا مع التكذيب بالحقّ ، فإن سرّكم أن تكونوا مع نبيّ اللّه محمّد صلى الله عليه و آله والرسل من قبله ، فتدبّروا ما قصّ اللّه عليكم في كتابه ممّا ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين .ثمّ سلوا اللّه أن يعطيكم الصبر على البلاء في السرّاء والضرّاء والشدّة والرخاء مثل الذي أعطاهم .
وإيّاكم ومُماظّة أهل الباطل ، وعليكم بهدَي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشّعهم وورعهم عن محارم اللّه وصدقهم ووفائهم واجتهادهم للّه في العمل بطاعته ؛ فإنّكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربّكم منزلة الصالحين قبلكم .واعلموا أنّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً شرح صدره للإسلام ، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحقّ ، وعقد قلبه عليه ، فعمل به ، فإذا جمع اللّه له ذلك تمّ إسلامه ، وكان عند اللّه ـ إن مات على ذلك الحال ـ من المسلمين حقّاً ، وإذا لم يرد اللّه بعبد خيراً وكله إلى نفسه، وكان صدره ضيّقاً حرجاً، فإن جرى على لسانه حقّ لم يعقد قلبه عليه ، وإذا لم يعقد قلبه

1.الأحقاف (۴۶) : ۳۵ .

2.فاطر (۳۵) : ۴ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
168

بالحقّ أن يتّخذوا من أعداء اللّه وليّاً ولا نصيراً ، فلا يهوّلنّكم ، ولا يردّنّكم عن النصر بالحقّ الذي خصّكم اللّه به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم وحيلهم ووسواس بعضهم إلى بعض ؛ فإنّ أعداء اللّه إن استطاعوا صدّوكم عن الحقّ ، فيعصمكم اللّهمن ذلك .
فاتّقوا اللّه ، وكفّوا ألسنتكم إلّا من خير ، وإيّاكم أن تذلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان ؛ فإنّكم إن كففتم ألسنتكم عمّا يكره اللّه ممّا نهاكم عنه كان خيراً لكم عند ربّكم من أن تذلقوا ألسنتكم به ؛ فإنّ ذلق اللسان فيما يكره اللّه وفيما ينهى عنه لدناءة للعبد عند اللّه ، ومقت من اللّه ، وصمم وعمى وبكم يورثه اللّه إيّاه يوم القيامة ، فتصيروا كما قال اللّه : «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ»۱ ؛ يعني لا ينطقون ، «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» . ۲ وإيّاكم وما نهاكم اللّه عنه أن تركبوه ، وعليكم بالصمت إلّا فيما ينفعكم اللّه به في أمر آخرتكم ، ويؤجركم عليه ، وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على اللّه والتضرّع إليه والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ، ولا يبلغ كنهه أحد .فاشْغَلوا ألسنتكم بذلك عمّا نهى اللّه عنه من أقاويل الباطل التي تُعقب أهلها خلوداً في النار لمن مات عليها ، ولم يتب إلى اللّه منها ، ولم ينزع عنها . ۳ وعليكم بالدعاء ؛ فإنّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربّهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرّع إلى اللّه والمسألة له .
فارغبوا فيما رغّبكم اللّه فيه ، وأجيبوا اللّه إلى ما دعاكم إليه ؛ لتفلحوا وتنجوا منعذاب اللّه .
وإيّاكم أن تشره أنفسكم إلى شيء حرّم اللّه عليكم ؛ فإنّه من انتهك ما حرّم عليه هاهنا في الدنيا ، حال اللّه بينه وبين الجنّة ونعيمها ولذّتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنّة أبد الآبدين .واعلموا أنّه بئس الحظّ ۴ لمن خاطر بترك طاعة اللّه وركوب معصيته ، فاختار أن ينتهك محارم اللّه في لذّات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنّة ولذّاتها

1.البقرة (۲) : ۱۷۱ . وفي الوافي : «فهم لا يرجعون» بدل «فهم لا يعقلون» .

2.المرسلات (۷۷) : ۳۶ .

3.في الوافي : «عليها» .

4.في الوافي : + «الخطر» .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108613
صفحه از 630
پرینت  ارسال به