وجوده بدون الآخر، كما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم ؛ والعلم يهتف بالعمل، فإن أجابه ، وإلّا ارتحل عنه» ۱ .(فمن عرف اللّه خافه) ؛ لأنّ العارف بعظمة اللّه وكبريائه ، وغضبه وقهره ، وكمال قدرته على جميع خلقه ، وعلى تعذيبهم وإفنائهم من غير أن يمنعه مانع ، أو يعترضه معترض ، أو يعود إليه ضرر ، حصّلت له حالة نفسانيّة تبعث صاحبها إلى عدم الاجتراء بترك ما ينبغي فعله ، وفعل ما ينبغي تركه، وتلك الحالة تسمّى خوفاً، ولها مراتب متفاوتة بتفاوت مراتب المعرفة .(وحَثّه الخوفُ على العمل بطاعة اللّه) ؛ لأنّ الخوف ـ كما عرفت ـ يبعث الخائف إلى الطاعات، وموجبات القربات، ورفض ما يوجب البُعد عن جناب القدس .(وإنّ أرباب العلم) من الأنبياء والأوصياء (وأتباعهم) ۲ ممّن اتّبع منارهم، واقتبس من آثارهم.وقوله: (الذين عرفوا اللّه) خبر «إنّ».
(فعملوا له ، ورغبوا إليه) .وأمّا غيرهم فلم يعرفوا اللّه، ولم يعملوا له؛ لاتّباعهم أهل البغي والجهل، وعدم تمسّكهم بدين أرباب العلم والعدل .
(وقد قال اللّه) في سورة فاطر: «إِنَّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»۳ .قال البيضاوي :
إذ شرط الخشية معرفة المَخشيّ ، والعلم بصفاته وأفعاله، فمن كان أعلم به كان أخشى منه، ولذلك قال صلى الله عليه و آله : «إنّي أخشاكم [للّه ]وأتقاكم له» ۴ .وتقديم المفعول لأنّ المقصود حصر الفاعليّة، ولو اُخّر انعكس الأمر.
وقُرئ برفع اسم «اللّه» ونصب «العلماء» على أنّ الخشية مستعارة للتعظيم؛ فإنّ المعظَّم يكون مَهيباً. ۵ انتهى .
1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۴۴ ، باب استعمال العلم ، ح ۲ ؛ نهج البلاغة ، ص ۵۳۹ ، الحكمة ۳۶۶ ؛ عدّة الداعي ، ص ۷۸ ؛ عوالي اللئالي ، ج ۴ ، ص ۶۶ ، ح ۲۶ . والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۳ .
2.في الحاشية: «أي الشيعة؛ لأنّ غيرهم فلم يعرفوا اللّه ، ولم يعملوا له ؛ لأنّ اُصولهم فاسدة ، وطاعتهم باطلة . مصحّح».
3.فاطر(۳۵) : ۲۸ .
4.مسند أحمد ، ج ۶ ، ص ۲۲۶ ؛ الإصابة ، ج ۴ ، ص ۴۸۷ ، ح ۵۷۵۷ ؛ بحار الأنوار ، ج ۶۷ ، ص ۳۴۴ .
5.تفسير البيضاوي ، ج ۴ ، ص ۴۱۸ .