185
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وجوده بدون الآخر، كما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم ؛ والعلم يهتف بالعمل، فإن أجابه ، وإلّا ارتحل عنه» ۱ .(فمن عرف اللّه خافه) ؛ لأنّ العارف بعظمة اللّه وكبريائه ، وغضبه وقهره ، وكمال قدرته على جميع خلقه ، وعلى تعذيبهم وإفنائهم من غير أن يمنعه مانع ، أو يعترضه معترض ، أو يعود إليه ضرر ، حصّلت له حالة نفسانيّة تبعث صاحبها إلى عدم الاجتراء بترك ما ينبغي فعله ، وفعل ما ينبغي تركه، وتلك الحالة تسمّى خوفاً، ولها مراتب متفاوتة بتفاوت مراتب المعرفة .(وحَثّه الخوفُ على العمل بطاعة اللّه) ؛ لأنّ الخوف ـ كما عرفت ـ يبعث الخائف إلى الطاعات، وموجبات القربات، ورفض ما يوجب البُعد عن جناب القدس .(وإنّ أرباب العلم) من الأنبياء والأوصياء (وأتباعهم) ۲ ممّن اتّبع منارهم، واقتبس من آثارهم.وقوله: (الذين عرفوا اللّه) خبر «إنّ».
(فعملوا له ، ورغبوا إليه) .وأمّا غيرهم فلم يعرفوا اللّه، ولم يعملوا له؛ لاتّباعهم أهل البغي والجهل، وعدم تمسّكهم بدين أرباب العلم والعدل .
(وقد قال اللّه) في سورة فاطر: «إِنَّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»۳ .قال البيضاوي :
إذ شرط الخشية معرفة المَخشيّ ، والعلم بصفاته وأفعاله، فمن كان أعلم به كان أخشى منه، ولذلك قال صلى الله عليه و آله : «إنّي أخشاكم [للّه ]وأتقاكم له» ۴ .وتقديم المفعول لأنّ المقصود حصر الفاعليّة، ولو اُخّر انعكس الأمر.
وقُرئ برفع اسم «اللّه» ونصب «العلماء» على أنّ الخشية مستعارة للتعظيم؛ فإنّ المعظَّم يكون مَهيباً. ۵ انتهى .

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۴۴ ، باب استعمال العلم ، ح ۲ ؛ نهج البلاغة ، ص ۵۳۹ ، الحكمة ۳۶۶ ؛ عدّة الداعي ، ص ۷۸ ؛ عوالي اللئالي ، ج ۴ ، ص ۶۶ ، ح ۲۶ . والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۳ .

2.في الحاشية: «أي الشيعة؛ لأنّ غيرهم فلم يعرفوا اللّه ، ولم يعملوا له ؛ لأنّ اُصولهم فاسدة ، وطاعتهم باطلة . مصحّح».

3.فاطر(۳۵) : ۲۸ .

4.مسند أحمد ، ج ۶ ، ص ۲۲۶ ؛ الإصابة ، ج ۴ ، ص ۴۸۷ ، ح ۵۷۵۷ ؛ بحار الأنوار ، ج ۶۷ ، ص ۳۴۴ .

5.تفسير البيضاوي ، ج ۴ ، ص ۴۱۸ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
184

أوالمراد بالاتّباع اتّباع الأوّل والثاني، وبالإطاعة إطاعة الآخرين، كالأغنام يعدو بعضهم عقب بعض . ۱ (فالحذر الحذر) أي احذروا الحذر، وألزموه، واحترزوا من طاعة من لا يجوز طاعته، ومخالفة من لايسع مخالفته.
(من قبل الندامة والحسرة) حيث ينقطع العمل، وينسدّ باب التوبة، وهو وقت معاينة اُمور الآخرة وما بعده .وقيل: الفرق بينهما أنّ الندامة على فعل ما لا ينبغي ، والحسرة على ترك ما ينبغي . ۲ (وتاللّه ما صدر قوم قطّ عن معصية اللّه إلّا إلى عذابه) .
الغرض أنّ غاية المعصية وما يترتّب عليها من الأثر عذاب اللّه . قال الفيروزآبادي: «الصدر: الرجوع، صدر يصدُر ويصدِر» ۳ .(وما آثر قوم قطّ الدنيا على الآخرة إلّا ساء مُنقلبهم وساء مَصيرهم) .
الإيثار: الاختيار . والمنقلب والمصير يجيئان للمصدر واسم المكان . وإيثار الدنياإمّا بتحصيل الزائد عن الكفاية، أو بطلبها من الشبهة، أو من الحرام، أو بعدم المبالاة في طرق تحصيلها، أو بمنع الحقوق الماليّة خوفاً من الانتقاص، أو بطلبها المفضي إلى التقصير في أمر الآخرة .(وما العلم باللّه والعمل إلّا إلفان مؤتلفان) .
«إلفان» بكسر الهمزة وسكون اللام، أو بصيغة اسم الفاعل. قال الفيروزآبادي: «الإلف بالكسر وككتف : الأليف. وقد ألِفه ـ كعلمه ـ ألِفاً ـ بالكسر والفتح ـ وهو آلِف» ۴ .وقال في المصباح: «ألِفتُه من باب علم: أنست به وأحببته، واسم الفاعل: أليف ـ مثل عليم ـ وآلف ، مثل عالم» ۵ انتهى .وقيل: في وصفهما بالائتلاف مبالغة في وجود الاُلفة بينهما ، حتّى لا يرضى أحدهما

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۲ .

2.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۶۸ (صدر) مع اختلاف يسير .

3.القاموسط المحيط ، ج ۳ ، ص ۱۱۸ (ألف) .

4.المصباح المنير ، ص ۱۸ (ألف) مع التلخيص .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108571
صفحه از 630
پرینت  ارسال به