191
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وطاعته، والحاصل أنّ إمكان وقوع ذلك الندم كاف في الحذر، فكيف مع تحقّقه، أو لأنّه بالنسبة إلى كلّ شخص غير متحقّق. ۱ (واستغفروا للّه، وتوبوا إليه؛ فإنّه يَقبل التوبة، ويعفو عن السيّئة) .
قيل: لعلّ المراد بقبولها إسقاط العقاب المترتّب على الذنب الذي تاب منه تفضّلاً ورحمة بعباده كما ذهب إليه الأشاعرة والشيخ الطوسي في الاقتصاد ۲ ، والعلاّ مة في بعض كتبه الكلاميّة .وعلى هذا قوله: «ويعفو عن السيّئة» تفصيل لقوله: «يقبل التوبة»؛ أي يعفو تفضّلاً عن السيّئة التي تاب منها .
وقال المعتزلة: إنّ قبول التوبة واجب على اللّه تعالى حتّى لو عاقب بعدها كان ظلماً، وتوقّف المحقّق في التجريد ۳ . انتهى .وأقول : الوجوب في أمثال هذه المقامات محمول على لزوم الوفاء بالوعد بحيث يلزم من ترك القبح، وقد ثبت في الآيات والروايات وعده سبحانه بقبول التوبة وعفو السيّئة، فيلزم من عدم قبولها ترك الوفاء بالوعد، وهو قبيح ، تعالى اللّه عنه عُلوّاً كبيراً .ثمّ أقول : لا يبعد أن يراد بقبول التوبة إسقاط العقاب المترتّب على الكبائر، ويعفو السيّئة إسقاطه عن الصغائر تفضّلاً، أو بأسباب آخر مطلقاً، كما قيل في تفسير قوله تعالى: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ»۴ الآية . ۵ (ويعلم ما تفعلون) فلا يفوته شيء من أفعالكم، وفيه وعد ووعيد.
(وإيّاكم وصُحبة العاصين) إلّا إذا اُريد نُصحهم مع توقّع التأثير، وذلك للفرار من اللعن والعذاب النازل عليهم، ولئلّا يميل إلى مقتضى طريقتهم.(ومَعونة الظالمين) .
لعلّ المراد بالمعونة إعانتهم في ظلمهم، أو فيما يعود إليه، أو يوجبه.

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۳۲ .

2.لاحظ : الاقتصاد ، ص ۱۳۲ و۱۳۳ .

3.راجع : شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۷ .

4.النساء (۴) : ۳۱ .

5.اُنظر : التبيان للطوسي ، ج ۹ ، ص ۴۳۳ ؛ تفسير مجمع البيان ، ج ۳ ، ص ۶۹ ؛ تفسير الثعلبي ، ج ۳ ، ص ۲۹۱ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۵ ، ص ۱۵۸ و۱۵۹ ؛ تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۱۷۶ ـ ۱۷۸ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
190

وقوله: (وطاعة اللّه) على الإصلاح (وطاعة من تَوَلّونه) من باب التفعيل والتفعّل (فيها) أي في الطاعة.وفي تحف العقول: «فيما» بدل «فيها» . ۱
وفي القاموس: «تولّاه، أي اتّخذه وليّاً، والأمر: تقلّده». ۲ وقال الجوهري: «قوله تعالى: «وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا»۳ ، أي مستقبلها بوجهه» . ۴ (لعلّ نادما قد ندم) كفرح (فيما فرّط بالأمس) أي في ما مضى من عمره (في جنب اللّه ) .
(وضيّع من حقوق اللّه) عطف على «فرّط» .وفي القاموس: «فَرَط في الأمر فَرطاً: قصّر به وضيّعه، وفرط الشيء ، وفيه تفريطاً : ضيّعه ، وقدّم العجز فيه وقصّر» ۵ انتهى .والجنب في الأصل: شقّ الإنسان وغيره، والناصية ، والجانب، وشاع في العرف إطلاقه على القرب والجوار والأمر والطاعة، وقد يطلق عل المقرّبين بجنابه سبحانه من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام .وقيل: يطلق أيضاً على معظم الشيء، والولاية من معظم أمر اللّه وحقوقه . ۶
وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ»۷ :أي قصّرت في جانبه، أي في حقّه، وهو طاعته. وقيل: في ذاته على تقدير مضاف كالطاعة. وقيل : في قربه من قوله: «وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ»۸ . انتهى . ۹ و«لعلّ» كلمة رجاء وطمع. وقيل: إنّما رجا عليه السلام وجود نادم من التفريط والتضييع فيما مضى من الحقوق اللازمة لقلّة وجوده . ۱۰ وقيل: هو على سبيل المماشاة وإرخاء العنان، ومعناه أنّه يمكن أن يندم نادم يوم القيامة على ما فرّط وضيّع بالأمس، أي في الدنيا في جنب اللّه، أي في قربه وجواره ، أو في أمره

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۶ .

2.تحف العقول ، ص ۲۵۴ .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۴۰۲ (ولي) .

4.البقرة (۲) : ۱۴۸ .

5.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۵۲۹ (ولي) .

6.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۳۷۷ (فرط) .

7.الزمر(۳۹) : ۵۶ .

8.النساء(۴) : ۳۶ .

9.تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۷۴ (مع اختلاف يسير) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 93427
صفحه از 630
پرینت  ارسال به