193
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وأقول: أنت خبير بعدم ورود هذا الاعتراض ؛ لوجوب تقدير العائد حينئذ لئلاّ يبقى «كان» خالياً عن الاسم .ثمّ قال:
الظاهر أنّ «كان» ناقصة، وأنّه شبّه أعماله القبيحة وأخلاقه الذميمة وعقائده الفاسدة بالنار في الإهلاك، واستعار لفظ النار لها ، ورشّح بذكر الالتهاب، أو سمّاها ناراً مجازاً مرسلاً باعتبار أنّها تصير ناراً في القيامة .ثمّ قال : [قال] الشيخ في الأربعين نقلاً عن بعض العارفين:
إنّ الحيّات والعقارب والنيران في القيامة هي بعينها تلك الأعمال والأخلاق والعقائد الباطلة، وإنّ اسم الفاعل في قوله تعالى: «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ»۱ للحال وعلى حقيقته [لا للاستقبال] ، كما قيل: وإنّ قبائحهم الخُلقيّة والعمليّة والاعتقاديّة محيطة بهم في هذه النشأة، وهي بعينها جهنّم التي ستظهر عليهم في النشأة الاُخرويّة بصورة النار وعقاربها وحيّاتها . ۲ وقريب منه ما قيل: الظاهر أنّ المراد أنّهم في الدنيا في نار البعد والحرمان والسخط والخذلان، لكنّهم لمّا كانوا بمنزلة الأموات لعدم العلم واليقين ، لم يستشعروا ألم هذه النار، ولم يدركوها، كما قال تعالى: «أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَما يَشْعُرُونَ»۳ . ۴ ويحتمل أن يراد بالنار أسباب دخولها استعارة أو مجازاً مرسلاً تسمية للسبب باسم المسبّب .
(تأكل أبداناً) كأنّ المراد : تحرقها ، أو تحكّها ، أو تفسدها ، بتشبيه النار بالأكل في الإفناء والإفساد .(قد غابت عنها أرواحُها) .
قيل: هو من باب نسبة الجمع إلى الجمع بالتوزيع، والمراد بغيبتها فسادها بالمهلكات . ۵

1.التوبة (۹) : ۴۹ ؛ العنكبوت (۲۹) : ۵۴ .

2.الأربعون حديثا ، ص ۲۴۶ ، و۲۴۷ (مع التلخيص) . وانظر : شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۷ و۱۹۸ .

3.النحل (۱۶) : ۲۱ .

4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۳۳ .

5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۸ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
192

وقيل: الأحوط ترك معونتهم مطلقاً لعموم الآية والرواية . ۱ قال الفيروزآبادي: «استعنته وبه ، فأعانني وعوّنني، والاسم: العَون والمعانة والمَعونة والمَعون» . ۲ (ومُجاورة الفاسقين) بالسكنى في دارهم، أو في جوارهم، أو في بلادهم ، كما يظهر من بعض الروايات.
(احذروا فتنتهم) أي الفتنة الناشئة منهم، أو الابتلاء بمثل الفتنة التي افتتنوا بها . والفتنة: الضلال والإضلال والفضيحة والإثم والمحنة.(وتَباعدوا من ساحتهم) أي فناء دارهم، أو جانبهم وناحيتهم.
ولعلّ كلًا من الفقرتين الأخيرتين ناظر إلى كلّ من الفقرات الثلاثة السابقة عليها، فتدبّر.(واعلموا أنّه من خالف أولياء اللّه) بردّ أقوالهم ، وعدم الامتثال بأوامرهم ونواهيهم ، وإنكار عقيدتهم ، ورفض سلوك طريقتهم ، أو بالشكّ فيها .والمراد بأولياء اللّه الأنبياء والأوصياء ومن يقتفي أثرهم، ويسير بسيرتهم.
(ودان بغير دين اللّه) أي اعتقد، أو تعبّد اللّه بغير دينه الذي جاء به النبي صلى الله عليه و آله .(واستبدّ بأمره دون أمر وليّ اللّه) .
يقال: استبدّ فلان بكذا، أي تفرّد به دون غيره ؛ يعني تفرّد بأمر نفسه ، وعمل برأيه متجاوزاً عن أمر وليّ اللّه غير متمسّك به.(كان في نار تَلتهب) .
يقال: التهب النار، إذا اتّقدت واشتعلت، ولعلّ المراد بكونه فيها صيرورته إليها .وقال الفاضل الإسترآبادي: «كأنّ بالتشديد ، ليكون من الحروف المشبّهة بالفعل، والمراد أنّ حاله هكذا في الدنيا في نظر أولياء اللّه . ۳ واعترض عليه بعض الأفاضل أنّ الجزاء حينئذٍ غير مرتبط بالشرط ، وتقدير العائد خلاف الظاهر . ۴

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۷ .

2.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۵۰ (عون) .

3.نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۷ .

4.المعترض هو المحقّق المازندراني رحمه الله ، والأقوال الآتية بعد قول الشارح رحمه الله أيضا تكون منه .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 93434
صفحه از 630
پرینت  ارسال به