وأقول: أنت خبير بعدم ورود هذا الاعتراض ؛ لوجوب تقدير العائد حينئذ لئلاّ يبقى «كان» خالياً عن الاسم .ثمّ قال:
الظاهر أنّ «كان» ناقصة، وأنّه شبّه أعماله القبيحة وأخلاقه الذميمة وعقائده الفاسدة بالنار في الإهلاك، واستعار لفظ النار لها ، ورشّح بذكر الالتهاب، أو سمّاها ناراً مجازاً مرسلاً باعتبار أنّها تصير ناراً في القيامة .ثمّ قال : [قال] الشيخ في الأربعين نقلاً عن بعض العارفين:
إنّ الحيّات والعقارب والنيران في القيامة هي بعينها تلك الأعمال والأخلاق والعقائد الباطلة، وإنّ اسم الفاعل في قوله تعالى: «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ»۱ للحال وعلى حقيقته [لا للاستقبال] ، كما قيل: وإنّ قبائحهم الخُلقيّة والعمليّة والاعتقاديّة محيطة بهم في هذه النشأة، وهي بعينها جهنّم التي ستظهر عليهم في النشأة الاُخرويّة بصورة النار وعقاربها وحيّاتها . ۲ وقريب منه ما قيل: الظاهر أنّ المراد أنّهم في الدنيا في نار البعد والحرمان والسخط والخذلان، لكنّهم لمّا كانوا بمنزلة الأموات لعدم العلم واليقين ، لم يستشعروا ألم هذه النار، ولم يدركوها، كما قال تعالى: «أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَما يَشْعُرُونَ»۳ . ۴ ويحتمل أن يراد بالنار أسباب دخولها استعارة أو مجازاً مرسلاً تسمية للسبب باسم المسبّب .
(تأكل أبداناً) كأنّ المراد : تحرقها ، أو تحكّها ، أو تفسدها ، بتشبيه النار بالأكل في الإفناء والإفساد .(قد غابت عنها أرواحُها) .
قيل: هو من باب نسبة الجمع إلى الجمع بالتوزيع، والمراد بغيبتها فسادها بالمهلكات . ۵
1.التوبة (۹) : ۴۹ ؛ العنكبوت (۲۹) : ۵۴ .
2.الأربعون حديثا ، ص ۲۴۶ ، و۲۴۷ (مع التلخيص) . وانظر : شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۷ و۱۹۸ .
3.النحل (۱۶) : ۲۱ .
4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۳۳ .
5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۸ .