197
البضاعة المزجاة المجلد الأول

والعقوبات الاُخرويّة ، لا بالأماني والغرور . ۱ ثمّ أمر بملازمتها بقوله: (واستشعروا التقوى) .
في القاموس: «الشِعار ككتاب: ما تحت الدثار من اللباس، وهو يلي شعر الجسد، ويفتح، واستشعره : لبسه» ۲ انتهى.وهو هنا كناية عن شدّة الملابسة وكمال الملازمة، وكونها خالصة للّه مخفية عن الخلق ، لا يشوبها رياء كما أنّ الشعار يكون غالباً مستوراً بالدثار .وفي قوله: (شعاراً باطناً) إشعار بذلك.
وقيل: نصب شعار على الحاليّة من التقوى، أو مفعول بتضمين معنى الجعل أو الاتّخاذ، وإطلاقه على التقوى على وجه استعارته لها من الثوب، والوجه ملازمة الجسد، أو الإحاطة به مع الإشعار بلزوم خفائها وخلوصها من الريا والسمعة، كخفاء الشعار بالدثار . وفي وصفه بالباطل لقصد الإيضاح إيماء إليه . ۳ (واذكروا اللّه) باللسان والقلب ، عند الطاعة والمعصية.
(ذكراً خالصاً) من الرياء والسمعة .أمر عليه السلام بعد الوصيّة بالتقوى وذكر غاياتها بما هو عبادة في نفسه، وأصل لسائر العبادات قبولها، بل هو روح لها .
وقوله: (تَحْيَوا به أفضل الحياة) جواب الأمر.والمراد حياة الأبديّة في الجنّة، أو حياة القلب، أو رفاهيّة العيش.
قال الفيروزآبادي: «الحَياة والحيوة بسكون الواو : نقيض الموت، حَيي ـ كرضي ـ حَياة، والحياة الطيّبة: الرزق الحلال، أو الجنّة» . ۴

1.قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «وإلى هاتين الغايتين أشار أميرالمؤمنين عليه السلام في بعض خطبه بقوله : فإنّ التقوى في اليوم الحرزُ والجُنّة ، وفي غد الطريق إلى الجنّة . [نهج البلاغة ، ص ۲۸۴ ، الخطبة ۱۹۱] أراد باليوم مدّة الحياة ، وبالغد القيامة ؛ يعني أنّ التقوى في حال الحياة حرز من المكاره ، وفي الآخرة حرز من العقوبات والشدائد ، كما ينطق به قوله تعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» [الطلاق (۶۵) : ۲ و۳] حيث دلّ على أنّ التقوى مناط للخروج من المضائق والمفاسد ، والوصول إلى المنافع والفوائد» .

2.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۵۹ (شعر) .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۹ و۲۰۰ .

4.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۲۱ (حيي) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
196

والصفة؛ فإنّ رَيّا ۱ مؤنّث ريّان، لم تبدل فيها من الياء واو؛ لأنّها صفة.وبعضهم عرّف التقوى بالتجنّب عن المعاصي، والتنزّه عمّا يشغل القلب عنه تعالى، وهي أكمل ما ينفع في الدنيا والآخرة.
قال اللّه عزّ و جلّ : «تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى»۲ ، ولذلك ذكر عليه السلام بعد الوصيّة بها غايتين للترغيب فيها :الاُولى : أنّها لعظم ثوابها في الآخرة، يتمنّى الناظر إليها منزلة صاحبها.
الثانية : أنّها واقية تقي صاحبها من المكاره والعقوبات الدنيويّة والاُخرويّة.فأشار إلى الاُولى بقوله: (فإنّها غبطة الطالب الراجي) .
في القاموس: «الغِبطة بالكسر: حسن الحال، والمَسَرّة، والحسد. وقد غبطه كضربه وسمعه، وتمنّى نعمة على أن لا تتحوّل من صاحبها، فهو غابط» ۳ انتهى.يعني أنّ الطالب لثواب اللّه الراجي لرحمته يغبط ويتمنّى ويطلب التقوى.
قال بعض الشارحين:لعلّ المقصود أنّ التقوى غبطة لطالب ثواب اللّه الراجي له، ونعمة عظيمة توجب علوّ منزلته، ورفع درجته إلى حدّ يتمنّى الناظر إليه منزلته.ثمّ قال: «وإنّما جعلنا الطالب مغبوطاً؛ لأنّ إضافة الغبطة إليه بتقدير اللام المفيدة للاختصاص يقتضي ذلك » ۴ انتهى، وهو كما ترى .وأشار إلى الثانية بقوله: (وثقة الهارب اللاجي) .
في القاموس: «وثق به ـ كورث ـ ثقة ومَوثقاً: ائتمنه، والوَثيق: المحكم» ۵ انتهى.وقد يطلق الثقة ويراد بها الوَثيق .
والمعنى: الهارب من عقاب اللّه اللاجي إلى اللّه إنّما يثق بالتقوى لدفع المكاره الدنيويّة

1.رَيّا كلّ شيء: طيب رائحته. لسان العرب، ج ۱۴، ص ۳۵۰ (روي).

2.البقرة(۲) : ۱۹۷ .

3.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۳۷۵ (غبط) .

4.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۹ .

5.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۲۸۷ (وثق) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109173
صفحه از 630
پرینت  ارسال به