199
البضاعة المزجاة المجلد الأول

المتروك يصنع ما يشاء ولا يمنع ، والمتنعّم لا يمنع من تنعّمه ، والجبّار . ۱
(لا يرجى منها ما تولّى فأدبر) أي أعرض وانقضى [زمانه] ، فولّى دبره . ويحتمل أن يكون التولّي بمعنى الإدبار، والجمع بينهما للتأكيد .والحاصل أنّ ما ذهب منها من نعمة وصحّة وشباب وعمر مثلاً لا يرجى رجوعها.
(ولا يُدرى) على البناء للمفعول (ما هو آت منها فيُنتظر) ؛ إذ لا علم بالمستقبل منها من خير حتّى ينتظر وقوعها وورودها، ولا من شرّ فيحترز منه .(وُصل البلاء منها بالرخاء ، والبقاء فيها إلى فناء) .
«وصل» على صيغة المجهول ، من وصلتُ الشيء وَصلاً وصِلَة ؛ أو المعلوم ، من وصل بمعنى اتّصل، أو من وَصل إليه وُصولاً.والرخاء: وسعة الحال ورفاهيّة العيش . ۲
(فسرورُها مَشوب بالحزن) أي مخلوط به، وهذا ناظر إلى وصل البلاء بالرخاء.وفي بعض النسخ: «مشرب» بدل «مشوب»، والمآل واحد. قال الجوهري: «الإشراب : لون قد اُشرب من لون [آخر] ، يقال: اُشرب الأبيض حُمرة، أي علاه ذلك، واُشرب في قلبه حبّه، أي خالطه» . ۳ (والبقاء فيها إلى الضعف والوهن) أي آئل ومنته إليه . وهذا ناظر إلى وصل البقاء بالفناء.
والضعف خلاف القوّة، والوهن مثله، فالعطف للتفسير، أو يراد بالضعف ضعف القوى والحواسّ، وبالوهن فتور العظام والأعضاء.(فهي كروضة اعتمّ مَرعاها) .
يقال: اعتمّ النبت ـ بالعين المهملة وشدّ الميم ـ إذا اكتهل، أي تمّ طوله، وظهر نوره، ويقال للشابّ إذا طال : اعتمّ .(وأعجبت) تلك الروضة (من يراها) : لحسن منظرها.

1.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۱۲۰ (ترف) .

2.قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «وفيه تحريك للغافل بأن لا يرضى بالرخاء المتّصل بالفناء» .

3.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۱۵۴ (شرب) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
198

وفي بعض النسخ: «تحبوا به أفضل الحَبوة» بالباء الموحّدة فيهما . قال الجوهري : «حباه حبوة، أي أعطاه، والحِبا: العطاء» . ۱ وعلى هذه النسخة ينبغي أن يقرأ: «تُحبوا» على صيغة المجهول. وعلى نسخة الأصل على صيغة المعلوم.
(وتَسلكوا به) أي بالذكر (طريق النجاة) ؛ فإنّ الذكر في حدّ ذاته عبادة، وسبب للنجاة من العقوبات، وله مدخليّة عظيمة لكمال سائر الطاعات الموجبة للنجاة.(انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها) .
في بعض النسخ: «العارف لها».وقيل: أمر بترك الدنيا واحتقارها إلّا بمقدار الضرورة ، علّل ذلك بذكر معايبها المنفّرة عنها بقوله : (فإنّها تُزيل الثاويَ الساكن) أي تزيل المقيم الساكن إليها عمّا ركن إليه منها من زخارفها . ۲ قال الفيروزآبادي : «ثوى المكان وبه يثوي ثواء وثويّا بالضمّ ، وأثوى به : أطال الإقامة به، أو نزل» . ۳ (وتَفجع المترف الآمن) أي الدنيا تؤلم وتوجع المتنعّم بها الذي اطمأنّ بحياتها وانخدع بغرورها بسلب ما عليه من نعمها.
وقيل : المراد بالأمن الأمن من الموت وما بعده؛ فإنّ المترف الغافل حال انهماكه في لذّات الدنيا لا يؤمن خوف الموت، بل يكون في تلك الحال آمنا منه . ۴ وقال الفيروزآبادي: «فجعه ـ كمنعه ـ أوجعه، كفجّعه» ۵ . وقال :
التُرفة بالضمّ: النعمة والطعام الطيّب، والشيء الظريف، تخصّ به صاحبك ، وأترفته النعمة : أطغته ، أو نعّمته ، كترفته تتريفاً ، وفلان : أصرّ على البغي، والمُترف كمكرم:

1.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۳۰۸ (حبو) مع اختلاف يسير .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۰۰ .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۱۰ (ثوي) .

4.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۶۱ (فجع) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109022
صفحه از 630
پرینت  ارسال به