فَأَنَا الذِّكْرُ الَّذِي عَنْهُ ضَلَّ، وَالسَّبِيلُ الَّذِي عَنْهُ مَالَ، وَالْاءِيمَانُ الَّذِي بِهِ كَفَرَ، وَالْقُرْآنُ الَّذِي إِيَّاهُ هَجَرَ، وَالدِّينُ الَّذِي بِهِ كَذَّبَ، وَالصِّرَاطُ الَّذِي عَنْهُ نَكَبَ، وَلَئِنْ رَتَعَا فِي الْحُطَامِ الْمُنْصَرِمِ وَالْغُرُورِ الْمُنْقَطِعِ، وَكَانَا مِنْهُ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لَهُمَا عَلى شَرِّ وُرُودٍ فِي أَخْيَبِ وُفُودٍ، وَأَلْعَنِ مَوْرُودٍ يَتَصَارَخَانِ بِاللَّعْنَةِ، وَيَتَنَاعَقَانِ بِالْحَسْرَةِ، مَا لَهُمَا مِنْ رَاحَةٍ، وَلَا عَنْ عَذَابِهِمَا مِنْ مَنْدُوحَةٍ، إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَزَالُوا عُبَّادَ أَصْنَامٍ، وَسَدَنَةَ أَوْثَانٍ، يُقِيمُونَ لَهَا الْمَنَاسِكَ، وَيَنْصِبُونَ لَهَا الْعَتَائِرَ، وَيَتَّخِذُونَ لَهَا الْقُرْبَانَ، وَيَجْعَلُونَ لَهَا الْبَحِيرَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْحَامَ، وَيَسْتَقْسِمُونَ بِالْأَزْلَامِ ، عَامِهِينَ عَنِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، حَائِرِينَ عَنِ الرَّشَادِ ، وَمُهْطِعِينَ ۱ إِلَى الْبِعَادِ، قَدِ ۲ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، وَغَمَرَتْهُمْ سَوْدَاءُ
الْجَاهِلِيَّةِ، وَرَضَعُوا ۳ جَهَالَةً، وَانْتَظَمُوا ۴ ضَلَالَةً ، فَأَخْرَجَنَا اللّهُ إِلَيْهِمْ رَحْمَةً، وَأَطْلَعَنَا عَلَيْهِمْ رَأْفَةً، وَأَسْفَرَ بِنَا عَنِ الْحُجُبِ نُوراً لِمَنِ اقْتَبَسَهُ، وَفَضْلاً لِمَنِ اتَّبَعَهُ، وَتَأْيِيداً لِمَنْ صَدَّقَهُ، فَتَبَوَّؤُوا الْعِزَّ بَعْدَ الذِّلَّةِ، وَالْكَثْرَةَ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَهَابَتْهُمُ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، وَأَذْعَنَتْ لَهُمُ الْجَبَابِرَةُ وَطَوَائِفُهَا، وَصَارُوا أَهْلَ نِعْمَةٍ مَذْكُورَةٍ، وَكَرَامَةٍ مَيْسُورَةٍ، ۵ وَأَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ، وَجَمْعٍ بَعْدَ كَوْفٍ، ۶ وَأَضَاءَتْ بِنَا مَفَاخِرُ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَأَوْلَجْنَاهُمْ بَابَ الْهُدى، وَأَدْخَلْنَاهُمْ دَارَ السَّلَامِ ، وَأَشْمَلْنَاهُمْ ثَوْبَ الْاءِيمَانِ، وَفَلَجُوا بِنَا فِي الْعَالَمِينَ، وَأَبْدَتْ لَهُمْ أَيَّامُ الرَّسُولِ آثَارَ الصَّالِحِينَ : مِنْ حَامٍ مُجَاهِدٍ، وَمُصَلٍّ قَانِتٍ، وَمُعْتَكِفٍ زَاهِدٍ، يُظْهِرُونَ الْأَمَانَةَ، وَيَأْتُونَ الْمَثَابَةَ، حَتّى إِذَا دَعَا اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، وَرَفَعَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَكُ ذلِكَ بَعْدَهُ إِلَا كَلَمْحَةٍ مِنْ خَفْقَةٍ، أَوْ وَمِيضٍ مِنْ بَرْقَةٍ، إِلى أَنْ رَجَعُوا عَلَى الْأَعْقَابِ، وَانْتَكَصُوا عَلَى الْأَدْبَارِ، وَطَلَبُوا بِالْأَوْتَارِ، وَأَظْهَرُوا الْكَتَائِبَ، وَرَدَمُوا الْبَابَ، وَفَلُّوا الدَّارَ ۷ ، وَغَيَّرُوا آثَارَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَرَغِبُوا عَنْ أَحْكَامِهِ، وَبَعُدُوا عَنْ ۸ أَنْوَارِهِ، وَاسْتَبْدَلُوا بِمُسْتَخْلَفِهِ بَدِيلاً اتَّخَذُوهُ، وَكَانُوا ظَالِمِينَ.وَزَعَمُوا أَنَّ مَنِ اخْتَارُوا مِنْ آلِ أَبِي قُحَافَةَ أَوْلى بِمَقَامِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِمَّنِ اخْتَارَهُ ۹ رَسُولُ اللّهِ ۱۰ صلى الله عليه و آله لِمَقَامِهِ، وَأَنَّ مُهَاجِرَ آلِ أَبِي قُحَافَةَ خَيْرٌ مِنَ مُهَاجِرِي الْأَنْصَارِ ۱۱ الرَّبَّانِيِّ نَامُوسِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
1.في الطبعة القديمة : «مهطعين» بدون الواو .
2.في الطبعة القديمة : «وقد» .
3.في الطبعة القديمة : «ورضعوها» .
4.في الطبعة القديمة : «وانفطموها» .
5.في الحاشية عن بعض النسخ: «منشورة».
6.في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «حوب».
7.في الطبعة القديمة : «الديار» .
8.في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «من».
9.في الطبعة القديمة : «اختار».
10.في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «الرسول» بدل «رسول اللّه » .
11.في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «المهاجري الأنصاري» .