211
البضاعة المزجاة المجلد الأول

فَأَنَا الذِّكْرُ الَّذِي عَنْهُ ضَلَّ، وَالسَّبِيلُ الَّذِي عَنْهُ مَالَ، وَالْاءِيمَانُ الَّذِي بِهِ كَفَرَ، وَالْقُرْآنُ الَّذِي إِيَّاهُ هَجَرَ، وَالدِّينُ الَّذِي بِهِ كَذَّبَ، وَالصِّرَاطُ الَّذِي عَنْهُ نَكَبَ، وَلَئِنْ رَتَعَا فِي الْحُطَامِ الْمُنْصَرِمِ وَالْغُرُورِ الْمُنْقَطِعِ، وَكَانَا مِنْهُ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لَهُمَا عَلى شَرِّ وُرُودٍ فِي أَخْيَبِ وُفُودٍ، وَأَلْعَنِ مَوْرُودٍ يَتَصَارَخَانِ بِاللَّعْنَةِ، وَيَتَنَاعَقَانِ بِالْحَسْرَةِ، مَا لَهُمَا مِنْ رَاحَةٍ، وَلَا عَنْ عَذَابِهِمَا مِنْ مَنْدُوحَةٍ، إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَزَالُوا عُبَّادَ أَصْنَامٍ، وَسَدَنَةَ أَوْثَانٍ، يُقِيمُونَ لَهَا الْمَنَاسِكَ، وَيَنْصِبُونَ لَهَا الْعَتَائِرَ، وَيَتَّخِذُونَ لَهَا الْقُرْبَانَ، وَيَجْعَلُونَ لَهَا الْبَحِيرَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْحَامَ، وَيَسْتَقْسِمُونَ بِالْأَزْلَامِ ، عَامِهِينَ عَنِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، حَائِرِينَ عَنِ الرَّشَادِ ، وَمُهْطِعِينَ ۱ إِلَى الْبِعَادِ، قَدِ ۲ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، وَغَمَرَتْهُمْ سَوْدَاءُ
الْجَاهِلِيَّةِ، وَرَضَعُوا ۳ جَهَالَةً، وَانْتَظَمُوا ۴ ضَلَالَةً ، فَأَخْرَجَنَا اللّهُ إِلَيْهِمْ رَحْمَةً، وَأَطْلَعَنَا عَلَيْهِمْ رَأْفَةً، وَأَسْفَرَ بِنَا عَنِ الْحُجُبِ نُوراً لِمَنِ اقْتَبَسَهُ، وَفَضْلاً لِمَنِ اتَّبَعَهُ، وَتَأْيِيداً لِمَنْ صَدَّقَهُ، فَتَبَوَّؤُوا الْعِزَّ بَعْدَ الذِّلَّةِ، وَالْكَثْرَةَ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَهَابَتْهُمُ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، وَأَذْعَنَتْ لَهُمُ الْجَبَابِرَةُ وَطَوَائِفُهَا، وَصَارُوا أَهْلَ نِعْمَةٍ مَذْكُورَةٍ، وَكَرَامَةٍ مَيْسُورَةٍ، ۵ وَأَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ، وَجَمْعٍ بَعْدَ كَوْفٍ، ۶ وَأَضَاءَتْ بِنَا مَفَاخِرُ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَأَوْلَجْنَاهُمْ بَابَ الْهُدى، وَأَدْخَلْنَاهُمْ دَارَ السَّلَامِ ، وَأَشْمَلْنَاهُمْ ثَوْبَ الْاءِيمَانِ، وَفَلَجُوا بِنَا فِي الْعَالَمِينَ، وَأَبْدَتْ لَهُمْ أَيَّامُ الرَّسُولِ آثَارَ الصَّالِحِينَ : مِنْ حَامٍ مُجَاهِدٍ، وَمُصَلٍّ قَانِتٍ، وَمُعْتَكِفٍ زَاهِدٍ، يُظْهِرُونَ الْأَمَانَةَ، وَيَأْتُونَ الْمَثَابَةَ، حَتّى إِذَا دَعَا اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، وَرَفَعَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَكُ ذلِكَ بَعْدَهُ إِلَا كَلَمْحَةٍ مِنْ خَفْقَةٍ، أَوْ وَمِيضٍ مِنْ بَرْقَةٍ، إِلى أَنْ رَجَعُوا عَلَى الْأَعْقَابِ، وَانْتَكَصُوا عَلَى الْأَدْبَارِ، وَطَلَبُوا بِالْأَوْتَارِ، وَأَظْهَرُوا الْكَتَائِبَ، وَرَدَمُوا الْبَابَ، وَفَلُّوا الدَّارَ ۷ ، وَغَيَّرُوا آثَارَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَرَغِبُوا عَنْ أَحْكَامِهِ، وَبَعُدُوا عَنْ ۸ أَنْوَارِهِ، وَاسْتَبْدَلُوا بِمُسْتَخْلَفِهِ بَدِيلاً اتَّخَذُوهُ، وَكَانُوا ظَالِمِينَ.وَزَعَمُوا أَنَّ مَنِ اخْتَارُوا مِنْ آلِ أَبِي قُحَافَةَ أَوْلى بِمَقَامِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِمَّنِ اخْتَارَهُ ۹ رَسُولُ اللّهِ ۱۰ صلى الله عليه و آله لِمَقَامِهِ، وَأَنَّ مُهَاجِرَ آلِ أَبِي قُحَافَةَ خَيْرٌ مِنَ مُهَاجِرِي الْأَنْصَارِ ۱۱ الرَّبَّانِيِّ نَامُوسِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.

1.في الطبعة القديمة : «مهطعين» بدون الواو .

2.في الطبعة القديمة : «وقد» .

3.في الطبعة القديمة : «ورضعوها» .

4.في الطبعة القديمة : «وانفطموها» .

5.في الحاشية عن بعض النسخ: «منشورة».

6.في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «حوب».

7.في الطبعة القديمة : «الديار» .

8.في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «من».

9.في الطبعة القديمة : «اختار».

10.في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «الرسول» بدل «رسول اللّه » .

11.في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «المهاجري الأنصاري» .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
210

بِعِلْمِهِ، وَحَبَانِي بِأَحْكَامِهِ، وَاخْتَصَّنِي بِوَصِيَّتِهِ، وَاصْطَفَانِي بِخِلَافَتِهِ فِي أُمَّتِهِ، فَقَالَ وَقَدْ حَشَدَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَانْغَصَّتْ بِهِمُ الْمَحَافِلُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي كَهَارُونَ مِنْ مُوسى، إِلَا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.فَعَقَلَ الْمُؤْمِنُونَ عَنِ اللّهِ، نَطَقَ الرَّسُولُ إِذْ عَرَفُونِي أَنِّي لَسْتُ بِأَخِيهِ لأبِيهِ وَ ـ أُمِّهِ وَاللّهِ ۱ ـ كَمَا كَانَ هَارُونُ أَخَا مُوسى لأبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَا كُنْتُ نَبِيّاً فَاقْتَضى نُبُوَّةً، وَلكِنْ كَانَ ذلِكَ مِنْهُ اسْتِخْلَافاً لِي، كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسى هَارُونَ عليه السلام حَيْثُ يَقُولُ: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» . ۲ وَقَوْلُهُ عليه السلام حِينَ تَكَلَّمَتْ طَائِفَةٌ، فَقَالَتْ :
نَحْنُ مَوَالِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ صَارَ إِلى غَدِيرِ خُمٍّ، فَأَمَرَ، فَأُصْلِحَ لَهُ شِبْهُ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَلَاهُ وَأَخَذَ بِعَضُدِي حَتّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ رَافِعاً صَوْتَهُ قَائِلاً فِي مَحْفِلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَعَادِ مَنْ عَادَاه ، وَكَانَتْ ۳ عَلى وَلَايَتِي وَلَايَةُ اللّهِ، وَعَلى عَدَاوَتِي عَدَاوَةُ اللّهِ، وَأَنْزَلَ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلامَ دِيناً»۴ ، فَكَانَتْ وَلَايَتِي كَمَالَ الدِّينِ وَرِضَا الرَّبِّ جَلَّ ذِكْرُهُ، وَأَنْزَلَ اللّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ اخْتِصَاصاً لِي ، وَتَكَرُّماً ۵ نَحَلَنِيهِ ، وَإِعْظَاماً وَتَفْضِيلاً مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَنَحَنِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ» . ۶ فِيَّ مَنَاقِبُ لَوْ ذَكَرْتُهَا لَعَظُمَ بِهَا ا لأْتِفَاعُ، وَطَالَ لَهَا ا لأْتِمَاعُ، وَلَئِنْ تَقَمَّصَهَا دُونِيَ الْأَشْقَيَانِ، وَنَازَعَانِي فِيمَا لَيْسَ لَهُمَا بِحَقٍّ، وَرَكِبَاهَا ضَلَالَةً ، وَاعْتَقَدَاهَا جَهَالَةً، فَلَبِئْسَ مَا عَلَيْهِ وَرَدَا، وَلَبِئْسَ مَا لأنْفُسِهِمَا مَهَّدَا، يَتَلَاعَنَانِ فِي دُورِهِمَا، وَيَتَبَرَّأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ يَقُولُ لِقَرِينِهِ إِذَا الْتَقَيَا: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ، فَيُجِيبُهُ الْأَشْقى عَلى رُثُوثَةٍ : يَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْكَ خَلِيلاً لَقَدْ أَضْلَلْتَنِي «عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْاءِنْسَانِ خَذُولاً» . ۷

1.في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : ـ «واللّه».

2.الأعراف (۷) : ۱۴۲ .

3.في الطبعة القديمة : «فكانت» .

4.المائدة (۵) : ۳ .

5.في الحاشية عن بعض النسخ: «تكرمة». وفي بعض نسخ الكافي : «تكريما» .

6.الأنعام (۶) : ۶۲ .

7.الفرقان (۲۵) : ۲۸ و۲۹ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108616
صفحه از 630
پرینت  ارسال به