219
البضاعة المزجاة المجلد الأول

توضيحه: أنّه ليس إنشاؤه للخلق على وجه التعلّم من الغير بحيث يشير إليه على وجه الصواب، واشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه بقوله: «مبتدع الخلائق بعلمه بلا اقتداء ولا تعليم» ۱ . ۲
(إن قيل: «كان» فعلى تأويل أزليّة الوجود) . قيل: لما فهم من قولنا: «فلان كان موجوداً» حدوث وجوده في الزمان الماضي ؛ لدلالة «كان» عليه ، أشار إلى نفي ذلك بأنّ المراد به أزليّة وجوده . والأزل عبارة عن عدم الأوّليّة والابتداء، وهذا أمر يلحق واجب الوجود لما هو هو بحسب الاعتبار العقلي، وهو ينافي لحوق الابتداء والأوّليّة لوجوده ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين . ۳ (وإن قيل: «لم يزل» فعلى تأويل نفي العدم)؛ لما فهم من قولنا: «لم يزل موجوداً» كون وجوده في الزمان، وعدم زواله عنه، أشار إلى نفي ذلك ـ إذ لا زمان لوجوده ـ بأنّ معناه نفي العدم عنه، أي وجوده ليس مسبوقاً به.وقال بعض الأفاضل:
قوله عليه السلام : «إن قيل: كان» إلخ، أي ليس كونه موجوداً في الأزل عبارة عن مقارنته للزمان أزلاً لحدوث الزمان، بل بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء، أو أنّه تعالى ليس بزماني، وكان يدلّ على الزمانيّة.فتأويله أنّ معنى كونه أزلاً أنّ وجوده يمتنع عليه العدم، وفي الفقرة الثانية لعلّ المعنى الأخير متعيّن.
ويحتمل أن يكون المراد أنّه إن قيل: «كان» فليس كونه من قبيل كون الممكنات لحدوثها، فإنّ في العرف يفهم من الكون الحدوث، بل معناه أزليّة وجوده تعالى .وإن قيل: «لم يزل» فليس على ما يطلق في الممكنات، يقولون: لم يزل هو كذلك، ويعنون به الكون على هذه الحال مدّة حياتهم، أو مدّة طويلة، بل معناه نفي العدم أبداً.أو المعنى أنّه إذا قيل في الممكنات: «لم يزل» فمعناه استمرار وجودهم مع طريان أنحاء العدم والتغيّر والتبدّل عليهم، ومعنى «لم يزل» في حقّه تعالى نفي جميع أنحاء العدم والتغيّرات عنه.

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۰۵ .

2.راجع : نهج البلاغة ، ص ۲۸۳ ، الخطبة ۱۹۱ .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۰۵ . وقريبا منه في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۳۷ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
218

آخر؛ لاستحالة كونه في مكان، بل المراد بمفارقته الأشياء مباينة ذاته وصفاته عن مشابهة شيء منها، وهذه المباينة أمر سلبي اعتبره العقل بعد معرفته بالوجوب الذاتي .(ويكون فيها) أي في الأماكن، أو في الأشياء . والأوّل أظهر وأنسب بالسياق.
(لا على وجه المُمازجة) أي المخالطة والمداخلة والحواية، كما يتبادر من الظرفيّة، بل كونه فيها بالعلم والقدرة والإحاطة بها بالحفظ والتربية، فيفهم من قوله: «لا على وجه الممازجة» أنّ كلمة «في» ليست للظرفيّة الحقيقيّة.وقيل: هذا الكلام دفع لما يتوهّم من عدم كونه في مكان أنّه غافل عن المكان وعمّا فيه ، كما هو شأن المخلوق . ۱ وأيضاً لما كان في وهم القاصر أنّ علمه تعالى بالمكان والمكانيّات كعلمنا بها في الافتقار إلى الحواسّ والآلات، دفعه بقوله: (وعلمها) بالرفع على أنّه مبتدأ وما بعده خبر، أو على صيغة الفعل المضي (لا بأداة) بفتح الهمزة، أي آلة .(لا يكون العلم) في المخلوق (إلّا بها) لتنزّهه تعالى عن الآلات والأدوات، واستحالة افتقاره في علمه إلى الغير ؛ لأنّه ينافي الوجوب الذاتيّة .وقيل: في قوله: «لا يكون العلم إلّا بها» إيماء إلى أنّ نفي كون علمه تعالى بأداة إنّما هو فيما يحتاج إليها في العلم بالمحسوسات؛ لأنّه هو محلّ الوهم لا مطلقاً . ۲ (وليس بينه وبين معلومه علمُ غيره به كان عالماً بمعلومه) .
علم ـ بالرفع والتنوين ـ اسم «ليس»، و«غيره» صفته؛ أي ليس بينه وبين معلومه علم مغاير لذاته المقدّسة بسببه كان عالماً بمعلومه، بل بذاته علم بمعلوماته .ويحتمل قراءة «علم» بالإضافة، فمعناه حينئذٍ : ليس بينهما علم عالم مغاير له تعالى حتّى يكون بعلم ذلك العالم أو بتعليمه عالماً بمعلومه.وقيل: هو حينئذ ردّ على من ذهب إلى أنّه تعالى يعلم الأشياء بصورها الحالّة في المبادئ العالية والعقول المجرّدة ، أو على من ذهب إلى أنّ إيجاده للخلق ليس من باب الاختراع والابتداع.

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۰۴ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۰۵ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 113518
صفحه از 630
پرینت  ارسال به