221
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وقوله: (تَرفعان القول) صفة للشهادتين، أي كلّ واحد منهما، أو كلاهما معاً ترفعان القول الحسن إلى درجة القبول.(وتُضاعفان العمل) أي تصيران سبب المضاعفة.والحاصل أنّه لا يرتفع قول من الأقوال الحسنة إليه تعالى إلّا بمقارنتهما ، وبالإقرار بهما ، والتكلّم بهما يوجب تضاعف الأعمال، أو الإذعان بهما ترتّب الثواب على سائر الأعمال وتضاعفه.وقيل: يحتمل أن يكون المراد: أشهد شهادة خالصة مقرونة بالشرائط حتّى يترتّب عليها رفع القول ومضاعفة العمل . ۱ وعلى كلّ تقدير يكون إشارة إلى قوله تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»۲ على وجه.
(خفّ ميزان تُرفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه) .الرفع والوضع كناية عن عدمهما في تضاعف الأعمال ووجودهما فيها، أو الوضع كناية عن قبولهما، والرفع عن عدمه لفقدان شرائط القبول.وقال الشيخ البهائي في كتاب الأربعين :
ثقل الميزان كناية عن كثرة الحسنات، ورجحانها على السيّئات، وقد اختلف أهل الإسلام في أنّ وزن الأعمال الوارد في الكتاب والسنّة هل هو كناية عن العدل والإنصاف والتسوية، أو المراد به الوزن الحقيقي ؛ فبعضهم على الأوّل؛ لأنّ الأعراض لا يعقل وزنها، وجمهورهم على الثاني للوصف بالخفّة والثقل في القرآن والحديث، والموزون صحائف الأعمال أنفسها بعد تجسّمها في تلك النشأة .ثمّ قال:
الحقّ أنّ الموزون في النشأة الاُخرى هو نفس الأعمال لا صحائفها ، وما يقال من أنّ تجسّم العرض طور خلاف طور العقل فكلام ظاهري عامّي ، والذي عليه الخواصّ من أهل التحقيق أنّ سنخ الشيء ـ أي أصله وحقيقته ـ أمر مغاير لصورته التي يتجلّى بها على المشاعر الظاهرة، ويلبسها لدى المدارك الباطنة ، وأنّه يختلف ظهوره في تلك

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۳۸ .

2.فاطر (۳۵) : ۱۰ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
220

وقد ورد هذا المعنى في تفسير آخريّته تعالى في الخبر.ويحتمل أيضاً أن يكون المراد في المقامين نفي تعقّل كنه وجوده تعالى وكيفيّة كونه، أي إن قيل: «كان» أو «لم يزل» فمعناه نفي العدم عنه أزلاً وأبداً، وأمّا تعقل كنه ذلك فلا يمكن للبشر. انتهى كلامه. ۱ (فسبحانه وتعالى عن قول من عَبَدَ سواه، واتّخذ إلهاً غيره علوّاً كبيراً) .
في القاموس: «التعالي: الارتفاع» . ۲ وفي هذا الكلام الشريف إيماء إلى أنّ من وصفه تعالى على الوجوه المنفيّة سابقاً، وعلى الأوصاف التي لا يليق بقدر جنابه مطلقاً ، فقد اتّخذ إلهاً غيره، ومشرك باللّه.(نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه) في الإحسان ۳
لخلقه .
(وأوجب قبوله على نفسه) .
قيل: حمده بعد الحمد على سبيل الدوام والثبات بما يدلّ على التجدّد والاستمرار في جميع الأوقات للتنبيه على لزوم الاهتمام بحمده ، ويتجدّد إرادته في جميع الآنات ؛ لأنّه من أعظم الطاعات والقربات ، فلا ينبغي أن يكون مغفولاً عنه في شيء من الساعات، وأشار بالوصف الأوّل إلى طلب كماله بالإخلاص الشافي للنفس عن الرذائل الموجب للرضا والاختصاص ، وبالوصف الثاني إلى رجاء قبوله الموجب لمزيد الامتنان في الدنيا والرضوان في الآخرة، وهو حجّة على من أنكر وجوب شيء عليه. ۴
(وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله) .قيل: قدّم العبوديّة ؛ لتقدّمها في الواقع، ولتحقّق معنى الترقّي ، ولئلّا يكون ذكرها بلا فائدة، وإنّما لم يقل : «نشهد» كما قال «نحمد» ؛ للتنبيه على قلّة المشارك في الأوّل، وكثرته في الثاني، «وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ»۵ . ۶ (شهادتان) خبر مبتدأ محذوف، أي الشهادة بالتوحيد والشهادة بالرسالة شهادتان.

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵، ص ۳۷ و۳۸ .

2.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۶۶ (علو) .

3.كذا قرأناه .

4.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۰۶ .

5.الإسراء (۱۷) : ۴۴ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 113512
صفحه از 630
پرینت  ارسال به