223
البضاعة المزجاة المجلد الأول

الجنّة يجوزه من أخلص للّه، ومن عصاه سلك من جنبيه أحد أبواب جهنّم. ۱
قال الصدوق رحمه الله:اعتقادنا في الصراط أنّه حقّ، وأنّه جسر جهنّم، وأنّه ممرّ جميع الخلق؛ قال اللّه عزّ وجلّ: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَا وَارِدُهَا كَانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً» . ۲ وقال:
الصراط في وجه آخر اسم حجج اللّه، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه اللّه جوازا على الصراط الذي هو جسر جهنّم يوم القيامة ويوم الحشر والندامة. وقال النبي صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام : يا علي، إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل عليه السلام على الصراط، فلا يجوز على الصراط إلّا من كانت معه براءة بولايتك ۳ . انتهى كلام الصدوق رحمه الله.
وقيل: الصراط دين الإسلام.وقيل: الحقّ أنّ كِلا القولين صادق، ويؤيّده ما ذكره بعض العلماء من أنّه روي عن الحسن العسكري عليه السلام : «أنّ الصراط صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة ؛ فأمّا الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلوّ، وارتفع من التقصير واستقام، ولم يعدل إلى شيء من الباطل. وصراط الآخرة هو طريق المؤمنين إلى الجنّة، لا يعدلون عن الجنّة إلى النار، ولا إلى غير النار سوى الجنّة» ۴ ، والناس في ذلك متفاوتون ، فمن استقام على هذا الصراط، وتعوّد سلوله، مرّ على صراط الآخرة مستوياً، ودخل الجنّة آمناً. ۵ وقال بعض العلماء:
قوله عليه السلام : «هو ما قصر عن الغلوّ» إلخ، ما ذهب إليه بعض الحكماء في تفسير الصراط وقالوا: هو الوسط الحقيقي بين الأخلاق المتضادّة كالسخاوة بين التبذير والبخل، والشجاعة بين التهوّر والجبن، والاقتصاد بين الإسراف والتقتير، والتواضع بين التكبّر والمهانة، والعفّة بين الجمود والشهوة، والعدالة بين الظلم والانظلام، فالأوساط بين هذه الأوصاف المتضادّة هي الأخلاق المحمودة، ولكلّ واحد منها طرفا إفراط

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۰۷ .

2.مريم(۱۹) : ۷۱ .

3.الاعتقادات للشيخ الصدوق ، ص ۷۰ .

4.معاني الأخبار ، ص ۳۳ ، ح ۴ (مع اختلاف يسير) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
222

الصور بحسب اختلاف المواطن والنشآت ، فيلبس في كلّ موطن لباساً، ويتجلبب في
كلّ نشأة بجلباب، كما قالوا: إنّ لون الماء لون إنائه ، وأمّا الأصل الذي يتوارد هذهالصور عليه، ويعبّرون عنه تارة بالسنخ ومرّة بالوجه، واُخرى بالروح، فلا يعلمه
إلّا علّام الغيوب.فلا بُعد في كون الشيء في موطن عرضاً، وفي آخر جوهرا ؛ ألا ترى إلى الشيء المُبصَر، فإنّه إنّما يظهر لحسّ البصر إذا كان محفوفاً بالجلابيب الجسمانيّة ملازماً لوضع خاصّ، وتوسّط بين القرب والبعد المفرطين وأمثال ذلك، وهو يظهر للحسّ المشترك عريا من تلك الاُمور التي كانت شرط ظهوره لذلك الحسّ؛ ألا ترى إلى ما يظهر في اليقظة من صورة العلم، فإنّه في تلك النشأة أمر عرضي، ثمّ إنّه يظهر في النوم بصورة اللبن ، فالظاهر في الصورتين سنخ واحد تجلّى في كلّ موطن بصورة، وتحلّى في كلّ نشأة بحلية، وتزيّا في كلّ عالم بزيّ، ويسمّى في كلّ مقام باسم، فقد تجسّم في مقام ما كان عرضاً في مقام آخر . ۱ (وبها الفوز بالجنّة ، والنجاة من النار، والجواز على الصراط) .
الحصر إمّا للمبالغة في توقّف الاُمور الثلاثة عليهما ، أو لأنّ غيرهما من الأعمال الصالحة سبب لرفع الدرجة في الجنّة، لا لأصل الفوز والنجاة، كما يشعر به قوله عليه السلام : (وبالشهادة) أي بالإقرار بالتوحيد والرسالة عن صميم القلب.(تدخلون الجنّة، وبالصلاة) على النبيّ وآله (تنالون الرحمة، أكثروا بالصلاة).
وفي بعض النسخ: «من الصلاة».(على نبيّكم) .
في القاموس: «أكثر: أتى بكثير» . ۲ قيل: المراد أنّ للشهادتين هذه الفضيلة بشروطها، ومن شروطهما الإقرار بالولاية، بل له مدخل في تحقّق حقيقتها عند أهل الحقّ.
ثمّ إنّ الصراط الموعود به في القرآن والحديث حقّ يجب الإيمان به وإن اختلف الناس في حقيقته ، وظاهر الشريعة والذي عليه جمهور المسلمين، ومن أثبت المعاد الجسماني من سائر أرباب الملل أنّه جسم في غاية الدقّة والحدّة ممدود على جهنّم، وهو طريق إلى

1.كتاب الأربعين ، ص ۶۳ و۶۴ (مع اختلاف يسير) .

2.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۲۴ (كثر) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 113510
صفحه از 630
پرینت  ارسال به