239
البضاعة المزجاة المجلد الأول

الخيرات، ويمنع عن المنهيّات، ونصح القرآن والسنّة أبلغ منه، فهو أولى بالاستماع. ۱ (ولا عقل كالتدبير) في العواقب ؛ ليحصل البراءة عن النوائب.
والظاهر أنّ المراد بالعقل هنا قوّة بها إدراك الخير والشرّ، أو نفس ذلك الإدراك.والتدبير النظر في عواقب الاُمور، ويطلق في الأخبار كثيراً على تدبير المعاش والاقتصاد فيه، وهو دليل العقل ودالّ عليه ، حتّى أنّ من لا تدبير له لا عقل له، ولذا فضّله عليه ورغب فيه.(ولا عبادة كالتفكّر) وهو إعمال النظر في الشيء.
وقيل: المراد هنا التفكّر في الاُمور من حيث الصدور؛ إذ بالتفكّر يشاهد صور المعقولات، ويبصر وجوه العبادات ، فهو مع كونه عبادة أصل للبواقي، والأصل أفضل من الفرع. ۲ (ولا مُظاهرة أوثق من المشاورة) .
المظاهرة: المعاونة ؛ يعني المشاورة في الاُمور مع الأصدقاء وأرباب العقول أوثق المعاونة وأحكمها؛ فإنّ اجتماع العقول وتعاونها وتعاضدها أقرب إلى إصابة المطلوب والظفر بما هو الحقّ والصواب، وأدخل في حصول الاُلفة.(ولا وحشة أشدّ من العُجب) .
قد مرّ آنفاً أنّ العُجب ـ بالضمّ ـ اسم من قولك: «اُعجب فلان بنفسه»، ووجه كونه أشدّ الوحشة ما قال بعض الأفاضل [من] أنّ المعجب بنفسه وبفضائله وأعماله لما رأى في نفسه من الفضل والكمال واعتنى به ، حتّى أخرجه عن حدّ الاعتدال يستوحش من غيره، وذلك الغير أيضاً يستوحش منه، ويتنفّر عنه ، إلّا إذا كان سلطانا أو ذا مال، فتقرب منه الراغب في الدنيا مع الوحشة للضرورة . ۳ وأقول : يستلزم ذلك أيضاً عدم تعرّضه لإصلاح معايبه وتدارك ما فات عنه من حقوق الخلائق والخلق، فتنقطع عنه موادّ رحمة اللّه وتوفيقه ولطفه وهدايته، فينفرد عن ربّه أيضاً، ويبعد عن ساحته، ولا وحشة أوحش منه.

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۱۵ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۱۶ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
238

الفقر والجهل في العجز عن تحصيل المرام، وعجز الثاني أشدّ؛ لأنّه في الدنيا والآخرة،
وعجز الأوّل في الدنيا فقط، وفي التنفير عن الجهل بجعله من أشدّ أفراد الفقر تنفير عن الفقر أيضاً، وهذا ينافي ما ورد في مدح الفقر والفقراء والترغيب فيه، ويمكن دفعه أوّلاً بأنّ المراد بالفقر هنا ما يكسر الظهر، ويدفع الصبر، وهو الذي وقع الاستعاذة منه في بعض الروايات.وثانياً بأنّ المراد به الفقر الظاهري مع الفقر الباطني، والمتّصف به من جمع فيه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.
وثالثاً بأنّ المراد به الفقر المعروف المتنفّر عند الناس، وهذا القدر كاف في تشبيه الجهل به والتنفير عنه . ۱ (ولا واعظ ۲ أبلغ من النُّصح) .النُّصح بالضمّ: إرادة الخير للمنصوح، وإرشاده إلى مصالحه، وأصله الخلوص.
وفي القاموس: «نصحه وله ـ كمنعه ـ نُصحاً ونصاحة ونصاحية، والاسم: النصيحة، ونصح: خلص» . ۳ وقيل: لعلّ المراد أنّ من ينصح الناس، ولا يغشّهم ، ويأمرهم بما يصلحهم يتّعظ هو أيضاً بما يعظ به غيره، فذاك واعظه، أو من يعظ رجلاً على وجه النصح يؤثّر فيه وإن لم يبالغ في ذلك، ولم يُطل الكلام، ومن لم يكن غرضه النصح لا يؤثّر كثيراً وإن أكثر وأطنب فيما يناسب المقام. ۴ وقيل: المراد من النصح استماع نصائح الكتاب والسنّة، وكونه أبلغ؛ لأنّ الواعظ يدعو إلى

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۱۵ .

2.في الحاشية: «الواعظ يدعو إلى الخيرات، ويمنع عن المنهيّات، ونصح القرآن والسنّة أبلغ منه، فهو أولى بالاستماع ؛ لأنّ النداء الربّاني أولى بالإتّباع من النداء الإنساني ، وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه بقوله : كيف يُراعي النَّبْأة من أصمّته الصَّيحة [نهج البلاغة ، ص ۵۱ ، الخطبة ۴] أي كيف يحفظ الصوت الخفيّ من أصمّته الصيحة الإلهيّة والنبويّة ، استعار عليه السلام النَّبْأة لدعائه لهم وندائه إلى سبيل الحقّ ، والنصيحة لخطاب اللّه ورسوله، وهي كناية عن ضعف دعائه بالنسبة إلى قوّة دعاء اللّه، وتقرير ذلك أنّ الصوت الخفي لا يسمع عند القوي لاشتغال الحواسّ به ، وكان كلامه عليه السلام أضعف في جذب الخلق إلى الحقّ من كلام اللّه وكلام رسوله ، فأجراه مجرى الصوت القوي ، وأجرى كلامه مجرى الصوت الخفي ، وإسناد الإصمام إلى الصيحة ترشيح له للاستعارة ؛ إذ من شأن الصيحة الإصمام إذا قرعت السمع. صالح». شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۲۱۵ .

3.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۲۵۲ (نصح) .

4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۴۱ و۴۲ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 113437
صفحه از 630
پرینت  ارسال به