الخيرات، ويمنع عن المنهيّات، ونصح القرآن والسنّة أبلغ منه، فهو أولى بالاستماع. ۱ (ولا عقل كالتدبير) في العواقب ؛ ليحصل البراءة عن النوائب.
والظاهر أنّ المراد بالعقل هنا قوّة بها إدراك الخير والشرّ، أو نفس ذلك الإدراك.والتدبير النظر في عواقب الاُمور، ويطلق في الأخبار كثيراً على تدبير المعاش والاقتصاد فيه، وهو دليل العقل ودالّ عليه ، حتّى أنّ من لا تدبير له لا عقل له، ولذا فضّله عليه ورغب فيه.(ولا عبادة كالتفكّر) وهو إعمال النظر في الشيء.
وقيل: المراد هنا التفكّر في الاُمور من حيث الصدور؛ إذ بالتفكّر يشاهد صور المعقولات، ويبصر وجوه العبادات ، فهو مع كونه عبادة أصل للبواقي، والأصل أفضل من الفرع. ۲ (ولا مُظاهرة أوثق من المشاورة) .
المظاهرة: المعاونة ؛ يعني المشاورة في الاُمور مع الأصدقاء وأرباب العقول أوثق المعاونة وأحكمها؛ فإنّ اجتماع العقول وتعاونها وتعاضدها أقرب إلى إصابة المطلوب والظفر بما هو الحقّ والصواب، وأدخل في حصول الاُلفة.(ولا وحشة أشدّ من العُجب) .
قد مرّ آنفاً أنّ العُجب ـ بالضمّ ـ اسم من قولك: «اُعجب فلان بنفسه»، ووجه كونه أشدّ الوحشة ما قال بعض الأفاضل [من] أنّ المعجب بنفسه وبفضائله وأعماله لما رأى في نفسه من الفضل والكمال واعتنى به ، حتّى أخرجه عن حدّ الاعتدال يستوحش من غيره، وذلك الغير أيضاً يستوحش منه، ويتنفّر عنه ، إلّا إذا كان سلطانا أو ذا مال، فتقرب منه الراغب في الدنيا مع الوحشة للضرورة . ۳ وأقول : يستلزم ذلك أيضاً عدم تعرّضه لإصلاح معايبه وتدارك ما فات عنه من حقوق الخلائق والخلق، فتنقطع عنه موادّ رحمة اللّه وتوفيقه ولطفه وهدايته، فينفرد عن ربّه أيضاً، ويبعد عن ساحته، ولا وحشة أوحش منه.