253
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وفي نهج البلاغة: «إن أسعده الرضا». ۱ وقيل: المراد أنّه إذا اُعين بالرضا، وتهيّأت له مقاصدالدنيا على الوجه المرضي عنده . ۲ (نسي التحفّظ) أي الاحتراز عن مخاطرات النفس ومكائد الشيطان، فيقع بذلك في مهاوي العصيان، وفيه ترغيب في التيقّظ وترك الغفلة في تلك الحالة.ولعلّ المراد أنّه إذا اُعين بالرضا من نفسه لم يتحفّظ عمّا يوجب شينه من قول أو فعل ؛ لاعتماده على نفسه.
ثمّ اعلم أنّ الملائكة المحمودة من الرضا والغضب على التوجيه الأوّل من التوجيهين السابقين الحالة المتوسّطة التي هي عدم الإفراط في الرضا، وعدم التفريط بالغضب ، وهي المسمّاة بالعدل ورعاية الحقّ في الاُمور ، بأنّه لا يدعوه رضاه عن أحد ، ولا سخطه عن آخر إلى الخروج عن الإنصاف والعدل ؛ فإن أسعده الرضا الذي هو مطلوب ، نسي أن يتحفّظ ويربط نفسه على الحقّ، فيطغى رضاه عن أخيه في الدين، أو قرابته وحميمه إلى أن يرتكب خلاف الحقّ لأجله .وكذا الغضب من خلاف الحقّ داخل في العدل ممدوح، وإفراطه ينتهي إلى الحميّة والعصبيّة.
وعلى الثاني يكون الغرض بيان الرضا والغضب الممدوحين، والمذموم ما يقابلهما، وكذا سائر الفقرات.(وإن ناله الخوف شغله الحذر) .
الحذر بالكسر وبالتحريك: الاحتراز.لعلّ المراد: إن أصابه الخوف من مخاوف الدنيا يشغله الحذر من مخاوف الدنيا عن العمل للآخرة.
وحاصله: أنّ الخوف الذي هو ممدوح إنّما هو من مخاوف الآخرة، وهو يستعمله في مخاوف الدنيا، فيشغله عن العمل للآخرة.وبعبارة اُخرى إن أصابه من الخلق أو من فوات الدنيا خوف شغله الحذر من المخوف

1.نهج البلاغة ، ص ۵۴۶ ، الحكمة ۳۹۶ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۲۱ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
252

فعلى الأوّل فالرجاء هو القدر الباطل منه، وعلى الثاني المراد الوسط الممدوح، والثاني هنا أظهر. ۱ أقول : هذا الكلام واف في إيضاح المرام بحيث لا مزيد عليه، فلنرجع إلى ما كنّا فيه من شرح كلامه عليه السلام .
(وإن هاج به الطمعُ) في الدنيا، وحرّكه إلى الرغبة فيها (أهلكه الحرص) عليها.قيل: الحرص أن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب غيرك. ۲
وقيل: هو عدم الرضا بالواصل ، وصرف العمر في تحصيل غير الحاصل. ۳ وأقول: قد يطلق الحرص على ما هو من فعل الجوارح، وعُرّف بأنّه تكلّف لمشاقّ الاُمور في طلب الرزق ونحوه من اُمور الدنيا لعدم الاعتماد على وكيل، وهو بهذا المعنى ضدّ التوكّل . وقد يطلق على ما هو من فعل القلب، وعُرّف بأنّه الهمّ والحزن على فوت الزائد، وعلى هذا يكون ضدّ القنوع، أي الرضا بالقسم.(وإن مَلَكه اليأس) أي القنوط وقطع الأمل من الدنيا.
(قتله الأسف) هو بالتحريك: أشدّ الحزن.(وإن عَرض له الغضب اشتدّ به الغيظ) .
الغضب بالتحريك: ضدّ الرضا، ويطلق على ضدّ الرحمة، ويعرّف حينئذٍ بأنّه الميل إلى إيصال الأذى ، وفيه مسامحة.والتحقيق أنّه حالة في النفس مقتضية لذلك الميل.
وقد يعرّف بأنّه الحركة نحو الانتقام.والغيظ: الغضب، أو أشدّه، أو سَورته وأوّله. وقيل: هو ثمرة الغضب يحصل من احتقانه وغليان النفس منه، وسبب قريب لجريان أحكامه. ۴ (وإن اُسعد بالرضى) أي اُعين به.

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۴۵ و۴۶ .

2.اُنظر: لسان العرب ، ج ۸ ، ص ۴۹ ؛ القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۱۳ (جشع) .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۲۱ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 112746
صفحه از 630
پرینت  ارسال به