265
البضاعة المزجاة المجلد الأول

لنفسك ملاحظة ما تكرهه لغيرك، والتأمّل فيه.(وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه) أي تفعل به ويتأمّل معه مثل ما تتوقّع منه لنفسك، أو المراد أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.وحقوق المؤمن كثيرة منها إشباع جوعته ، ومواراة عورته ، وتفريج كربته ، وقضاء حاجته ، والسؤال عن حاله عند رؤيته ، والزيارة والدعاء له في غيبته ، والاجتهاد والرغبة في خدمته ، والخلافة في أهله وولده بعد موته ، والإتيان بمرضاته في جميع الأحوال ، والإعانة له بالنفس واللسان والمال ، وغير ذلك .(لقد خاطر من استغنى برأيه) .
قال الجوهري: «الخطر: الإشراف على الهلاك، [يقال :] خاطر بنفسه» . ۱ وفي القاموس: «خاطر بنفسه: أشفاها على خطر هُلك، أو نيل ملك» . ۲
وقال في النهاية: «المحدّثون يسمّون أصحاب القياس أصحاب الرأي، يعني أنّهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث، أو ما لم يأت فيه حديث والأثر» ۳ انتهى.وفي الأخبار الآخر: «خاطر بنفسه»، وهو المراد هنا . أي من استبدّ برأيه في اُمور الدين والدنيا ، ألقى نفسه في الهلكة.
قال بعض الأفاضل:فيه ردّ على من جوّز استعمال الرأي في باب المعارف والأسرار والأحكام ونصب الإمام، فما ذهب إليه بعض الصوفيّة ومنهم الغزالي في كتاب الكيمياء من أنّه يجوز انكشاف العلوم والبلوغ إلى مرتبة النبوّة بالرياضة والمجاهدة بلا توسّط نبيّ، وأنّ الفرق بينه وبين النبيّ أنّ النبيّ مأمور بالتبليغ دونه؛ لأنّ النبيّ مثلنا في الإنسانيّة ، كما قال: «أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ»۴ ، وأنّ العلم بالمحسوسات حجاب بين العبد والربّ باطل؛ لدلالة الروايات الصحيحة على بطلانه، ولأنّ هذا الرجل ينبغي أن يكون نبيّاً صاحب الوحي أمر بالتبليغ أوّلاً، والعلم بالمحسوسات والانتقال منها إلى الصانع وما له من الحكمة والقدرة ـ على ما قرّره الشرع ـ ليس بحجاب، كيف وقد حثّ عليه ـ جلّ شأنه ـ في

1.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۶۴۸ (خطر) .

2.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۲۲ (خطر) .

3.النهاية ، ج ۲ ، ص ۱۷۹ (رأى) .

4.الكهف (۱۸) : ۱۱۰ ؛ فصّلت (۴۱) : ۶ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
264

وقال: «الهوى بالقصر: العشق ، يكون في الخير والشرّ، وإرادة النفس» ۱ انتهى.ويطلق الهوى في العرف على ميل النفس الأمّارة بالسوء التابعة للقوى الشهويّة والغضبيّة إلى مقتضى طباعها من اللذّات الدنيويّة إلى حدّ الخروج عن الحدود الشرعيّة، وهو أشدّ جاذب للإنسان عن قصد الحقّ، وأقوى ساد له عن سلوك سبيله.(والعقول تزجر وتَنهى) أي عن خواطر الهوى، أو مطلقاً . والواو للحال، أو للاستئناف. والزجر: المنع والنهي .
(وفي التجارب علم مُستأنف) أي جديد؛ لأنّ العلوم أكثرها يتجدّد بالتجارب وتكرّر المشاهدة. يقال: جرّبه تجربة، أي اختبره، ورجل مجرّب: عارف بالاُمور.وبعض المحقّقين عرّف التجربة بأنّها عبارة عن حكم العقل بأمر على أمر بواسطة مشاهدات متكرّرة معدّة لليقين بسبب انضمام قياس خفيّ إليها، وهو أنّه لو كان هذا اتّفاقيّاً لما كان دائماً ولا أكثريّاً، وهي مركّبة من مقتضى الحسّ والعقل واجتماعهما، وبهما يكمل العقل، ولذلك ورد في الخبر : «إنّ التجارب لقاح العقول» ۲ . وممّا علم به عدم اعتبار الدنيا وزهراتها وعدم وفائها لأهلها . ۳ (والاعتبار يَقود إلى الرَّشاد) .
في القاموس: «رشد ـ كنصر وفرح ـ رُشداً ورَشَداً ورشاداً: اهتدى» ۴ أي إبصار أوضاع الدنيا، والاعتبار بأحوالها الحاضرة والماضية، وبما ورد على الناس بسبب مخالفة الدين وأهله، وجعلها مادّة للتفكّر يقود إلى الاهتداء ورفض الدنيا ولزوم الأعمال الصالحة للآخرة.(وكفاك أدباً لنفسك ما تَكرهه لغيرك) ۵ .في نهج البلاغة: «اجتناب ما تكرهه» ۶ . ولعلّه هو المراد هنا، أو المعنى : كفاك مؤدّباً

1.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۴۰۴ (هوي) .

2.لم على الخبر في موضع .

3.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۲۶ .

4.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۲۹۴ (رشد) .

5.في الحاشية: «روي أنّ من حقوق المؤمن أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك، وهذا من أعظم الآداب الشرعيّة، بل لا يتمّ إلّا به . صالح». شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۲۲۷ . وانظر : الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۶۹ ، باب حقّ المؤمن على أخيه و ... ، ح ۲ ؛ الفقيه ، ج ۲ ، ص ۶۲۵ ، باب الحقوق ، ح ۳۲۱۴ ؛ تحف العقول ، ص ۷۳ .

6.نهج البلاغة ، ص ۵۴۸ ، الحكمة ۴۱۲ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 112592
صفحه از 630
پرینت  ارسال به