267
البضاعة المزجاة المجلد الأول

على عدم استقلال العقول في شيء من أحكام الدين إذا لم يكن بديهيّاً أو في حكمه، وأنّ الأخذ والاستبداد بها خطأ محض.وقيل: معنى قوله عليه السلام : «استقبل وجوه الآراء» أنّه استشار الناس، وأقبل نحو آرائهم وتفكّر فيها، ولا يبادر بالردّ، أو تفكّر في كلّ أمر ليقبل إليه الآراء والأفكار . ۱ وقيل: لعلّ المراد : مَن استقبل بالقلب الخالص عن الشبهات وجوه الآراء المختلفة المتفرّقة ومقدّماتها الوهميّة والخياليّة، وعرفها حقّ المعرفة، عرف مواضع الخطأ فيها، كما بيّن في موضعه، مع أنّ مناط الرأي والقياس جمع المتشابهات في الحكم، وتفريق المختلفات فيه، والأمر بالعكس في كثير من المواضع . ۲ قال: ويحتمل أن يراد بالوجوه الأدلّة الشرعيّة المنصوبة على موارد الرأي والقياس الدالّة على حكم مخالف لها؛ فإنّ من استقبل إليها وعرفها ، عرف مواقع خطاء تلك الآراء . وفيه على هذا التقدير زجر عن استعمال الرأي ، وحثّ على الرجوع إليه عليه السلام . ۳ (ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول) .
في القاموس: «عدل الحكم تعديلاً: أقامه ، وفلاناً: زكّاه، والميزان: سوّاه» ۴ .والفضل : ضدّ النقص، والجمع: فضول.
والرأي في اللغة: الاعتقاد مطلقاً، سواء كان له مستند شرعي أم لا، وشاع عند المحدّثين إطلاقه على الثاني .ولعلّ حاصل المعنى: من أمسك عن الفضول من الأقوال والأفعال، وهي ما لا ينفع ـ سواء يضرّ، أم لا ـ عدّلت عقول أهل العرفان رأيه واعتقاده، وحكمت بعدالته وصوابه واستقامته؛ لأنّ استقامة الظاهر بسبب استقامة الباطن، ووجود المسبّب دليل على وجود السبب.وقيل: يحتمل أن يكون «عدلت» بالتخفيف بمعنى المعادلة، أي بانفراده يعدل سائر العقول . ۵

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۲۸ .

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۵۰ .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۳ (عدل) .

4.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۳۰ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
266

آيات كثيرة منها قوله: «الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»۱ الآية.
ثمّ إنّهم قالوا: وجب الرجوع إلى المرشد، وقد صرّح به الغزاالي في الكتاب المذكور، فإن أرادوا بالمرشد النبيّ ، أو من أخذ الإرشاد منه، فنعم الوفاق ، مع أنّه لا حاجة إلى توسّط النبيّ ، وإن أرادوا غيره فقد ضلّوا وأضلّوا . ۲ (والتدبّر قبل العمل؛ فإنّه يُؤمنك من الندم) أي يجب أن يكون التدبّر قبل الشروع في العمل، ليؤمن من الندم بعده.
وهذه كلمة جامعة للنصائح كلّها ؛ إذ العمل شامل للأقوال والأفعال والعقائد مطلقاً، والندامة أعمّ من أسف الدنيا والآخرة.ونعم ما قيل: المدبّر قبل العمل بسبب ملاحظة ما يترتّب عليه لا يأتي بما يضرّه وما يورث الندامة في الدارين، ويحبس كلّ عضو على ما هو المطلوب منه، ولا يتحقّق ذلك إلّا برعاية قانون الشرع وآدابه. ۳ (ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواضع الخطأ) .
في بعض النسخ: «مواقع الخطأ» . قال الجوهري : «الخطأ : نقيض الصواب، وقد يمدّ» . ۴ ولعلّ المراد بالآراء الظنون الحاصلة من الاجتهاد والقياس والأحكام العقليّة والشرعيّة، وبوجوهها جهات الاختلاف فيها وتضادّها وتناقضها بالنظر إلى الأشخاص، بل بالنظر إلى شخص واحد؛ فإنّ من استقبل وتصفّح أحوال الناس في الظنون الاجتهاديّة والقياسيّة، قلّ ما يجد اثنين منهم متّفقين على رأي واحد، بل يجد واحداً منهم كثيراً ما يناقض نفسه.فعلم من هذا الاختلاف والتناقض أنّ ابتناء أحكام الدين على الرأي والقياس من غير رجوع إلى القوانين المستنبطة من أصحاب الوحي ومن يحذو حذوهم باطل، بل ارتكابه كفر وضلال.والحاصل أنّ نفس اختلاف آراء العقلاء في أمر واحد وعدم اتّفاقهم عليه دليل واضح

1.آل عمران(۳) : ۱۹۱ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۲۷ و۲۲۸ .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۲۸ .

4.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۴۷ (خطأ) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 112568
صفحه از 630
پرینت  ارسال به