كالمعاملات والمشاركات ونحوها ؛ فإنّ الجوهر الشريف والطبع اللطيف لا يختلف أعماله، ولا يتبدّل أحواله بتبدّل الأوضاع، بل يكون ثابتاً على ما كان عليه من الطريقة المحمودة ، وإن اشتدّ عليه الدهر وغلبه وأخذ ماله وانعكس حاله . ۱ (والأيّام توضح لك السرائر الكامنة) .
قال في القاموس: «كمن له ـ كنصر وسمع ـ كموناً: استخفى» . ۲ وقال بعض الفضلاء:
قد شاع عند الفصحاء والبلغاء نسبة ذلك إلى الزمان تجوّزا باعتبار أنّ الزمان من الأسباب المعدّة لظهور الأسرار المستورة التي في علم اللّه تعالى من خير وشرّ، ولذلك قيل: الاُمور مرهونة بأوقاتها . وقد يتفاوت الأزمنة في الأعداد لقبولها ، ففي بعضها يكون الشرّ أكثر سيّما زمان ضعف الشريعة التي هي سبب نظام العالم والحياة الأبديّة.وفي بعضها يكون الخير أكثر، وهو الزمان الذي تكون أحوال الخلق منتظمة فيه خصوصاً زمان قوّة الشريعة.
ولعلّ فيه إيماء إلى ما وقع من أمر الخلافة ، وانقلاب أحوال الصحابة ، وسلطنة بني اُميّة وبني عبّاس ، وتغيير قوانين الشرع ، وشيوع الجور والظلم على أهله ، وترجيح المسي?على المحسن ، والدنيّ على الشريف ، والجائر على العادل، أو الأعمّ منها ومن نوائب الدهر . وفيه ترغيب للمؤمنين في الصبر عليها والرضا بالقضاء . ۳ (وليس في البرق الخاطف مُستمتَع لمن يخوض في الظلمة) .
قال الجوهري: «الخَطْف: الاستلاب ، وبرق خاطف لنور الأبصار». ۴ وقال الفيروزآبادي: «أمتع عنه: استغنى، وبماله: تمتّع ، كاستمتع». ۵ وقال: «خاض الماء يخوضه خوضاً: دخله». ۶
أقول : الظاهر أنّ «مستمتع» هنا على صيغة اسم المفعول بمعنى المكان والمصدر،وأن يكون هذا الكلام كالاقتباس من قوله تعالى في بيان حال المنافقين بضرب المثل:
1.وقال المحقّق المازندراني رحمه الله : «فيه ترغيب في البقاء على الطاعات ، والصبر على المصيبات» .
2.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۶۳ (كمن) .
3.شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۲۲۹ .
4.الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۳۵۲ (خطف) مع التلخيص .
5.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۸۳ (متع) .
6.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۳۳۰ (خوض) .