279
البضاعة المزجاة المجلد الأول

(ولكلّ حبّة آكل) قدّر اللّه تعالى أن يأكلها ، فإن قدّرها لك تصل إليك بلا تعب، وإن قدّرها لغيرك فلا يجدي كذلك في تحصيلها.(وأنت قوت الموت) وتموت لا محالة، فلا تصرف عمرك في تحصيل ما لا تأكله ولا تحتاج إليه.وقيل: شبّه الموت بالسبع في الإفناء والإهلاك، ونبّه بأنّه لا خير في حياة تفنى كفناء الزاد . ۱ (اعلموا أيّها الناس ، أنّه من مشى على وجه الأرض فإنّه يَصير إلى بطنها) .
لعلّه كناية عن صيرورته تراباً مثلها.وقيل: إلّا ما أخرجه الدليل، أو هو كناية عن الهلاك، وهذا مع غاية ظهوره مغفول عنه بالنظر إلى الأكثر ، بحيث لا يتذكّرونه إلّا بالتذكّر والتنبيه والزجر عن الركون إليها والبقاء فيها ، والحثّ على العمل والسعي لما ينفع في بطنها وبعد الخروج منها . ۲ (والليل والنهار يتنازعان) ۳ .
التنازع: التخاصم والتناول ؛ أي كأنّهما لسرعة انقضائهما وتواليهما يتسارعان ويتجادلان.(في هَدم الأعمار)، وكلّ منهما يريدان أن يسبق صاحبه فيه.
وقيل: «يتنازعان» من التنزّع، وهو التسرّع، أي يتسارعان، أو يهتمّان من النزعة ـ بالفتح والكسر ـ وهي الهمّة ۴ ، وهو بعيد جدّاً.(وفي نسخة اُخرى: «يتسارعان») بدل «يتنازعان».
وفي بعض النسخ: «يسارعان» بدل «يتسارعان».(في هدم الأعمار) .
قيل: فيه مكنيّة وتخييليّة ، وتنبيه للغافلين الذين لا يعلمون إلّا ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الرجوع إلى الآخرة هم غافلون . ۵

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۳۴ .

2.في الحاشية عن بعض النسخ: «يسارعان».


البضاعة المزجاة المجلد الأول
278

(لا تُنال نعمة إلّا بزوال اُخرى) .قال ابن ميثم: «فإنّ نعمها لا تجتمع أشخاصها كلقمة ولقمة ، بل وأنواعها كالأكل والشرب والجماع» . ۱ وقال بعض الأفاضل:
ظاهر أنّ عادة الدنيا أنّ نعمها متناوبة؛ فإنّ من ليس له مال يكون آمناً صحيحاً غالباً، وإذا حصل له الغنى يكون خائفاً أو مريضاً لا ينتفع بماله، بل كلّ حالة من جهة نعمة ومن جهة بلاء كالمرض، فإنّه نعمة لتكفيره السيّئات، فإذا ورد عليه نعمة الصحّة زالت تلك النعمة الحاصلة بالبلاء . ۲ والحاصل أنّه عليه السلام نفّر عن الدنيا بزوال نعمها ولذّاتها ، وعدم بقائها وثباتها ، وتوقّف لاحقها على فوات سابقها؛ إذ كلّ نوع من اللذّة والنعمة فإنّما يتجدّد شخص منها ، والالتذاذ بها بعد زوال مثله كلذّة المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من الملاذّ الجسمانيّة ؛ فإنّ نيلها يستدعي فوات اُختها السابقة، وما كان كذلك لا يعدّ نعمة في الحقيقة ملتذّاً بها، فلابدّ للعاقل اللبيب من صرف عمره في تحصيل النعم الباقية من العلوم والمعارف والحكم الإلهيّة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة النافعة في الدار الآخرة.(ولكلّ ۳ رمق قوت) .
القوت: المسكة من الرزق، وهي ما يتمسّك به، وما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب.والرمق بالتحريك: بقيّة الروح والحياة ، وآخر النفس .
أي لكلّ قدر من الحياة قوت مقدّر ثابت قطعاً.وقيل: تخصيص الرمق بالذكر للتنبيه على أنّ الحياة والقوت متلازمان ، لا يكون أحدهما بدون الآخر ، زجر للطالب عن الاهتمام به ، وصرف العمر في طلبه. ۴ وفي بعض النسخ المصحّحة: «لكلّ ذي رمق» ، وهو أظهر.

1.لم نعثر على عين هذه العبارة في شرح الخطبة ، لكن اُنظر مضمونه في شرحه على نهج البلاغة ، ج ۵ ، ص ۳۴۲ و۳۴۳ .

2.مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۵۲ .

3.في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا وكلتا الطبعتين : + «ذي» .

4.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۳۴ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 112259
صفحه از 630
پرینت  ارسال به