327
البضاعة المزجاة المجلد الأول

(وانتظموها ۱ ضلالة) .
ضمير التأنيث راجع إلى الجهالة .
وقال الفيروزآبادي: «نظم اللؤلوء ينظمه نظماً: ألّفه وجمعه في سلك، فانتظم، وانتظمه بالرمح: اختلّ» . ۲
وأقول: يفهم منه أن «ضلالة» تميزاً، أو مفعولاً له، أو الضمير مبهم يفسّره ما بعده، أي صادوا ضلالة .
[و] الانتظام لازم متعدّ. ولعلّ المعنى على الأوّل : انتظموا مع الجهالة في سلك من حيث الضلالة ، أو لأجلها . وعلى الثاني لعلّ المراد: انتظموا الجهالة بالضلالة، وخاطوها بها.
وفي بعض النسخ: «وانفطموا ضلالة»، وهو أظهر ۳ ؛ يقال: فطم الصبي، أي فصله عن الرضاع، فانفطم.
والظاهر أنّ نصب ضلالة حينئذ على التميز، ويحتمل الحذف والإيصال، أي انفطموا من الرضاع مع الضلالة أنّهم رضعوا مع الجهالة.
وبالجملة كانوا في صغرهم وكبرهم مع الجهالة والضلالة، وأنّ الضلالة والجهالة تمكّنتا فيهم حتّى كأنّهما صارتا غذاء لهم بحيث نبت عليه لحمهم، واشتدّ به عظمهم، أو أنّهم جَهَلَة وضُلّال في مفتتح اُمورهم ومختتمها .
والحاصل أنّ مبنى جميع اُمورهم على الجهالة والضلالة.
وقيل: أي انفطموا عن رضاع الجهالة من أجل غذاء الضلالة ، شبّه الضلالة بالطعام بعد الفطام، والمقصود بيان غمرتهم بالجهالة حتّى صار ذلك حاجباً لهم عن قبول الحقّ سابقاً، والرجوع عنه لاحقاً ۴ ، انتهى وهو كما ترى.
(فأخرجنا اللّه إليهم رحمة، وأطلعنا عليهم رأفة) .
الرأفة: أشدّ الرحمة، أو الرأفة ضدّ القسوة، والرحمة ضدّ الغضب، وتعرف الرأفة حينئذ

1.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۸۱ (نظم) .

2.في الطبعة القديمة ومرآة العقول : «وانفطموها» . وفي الطبعة الجديدة وأكثر النسخ التي قوبلت فيها : «وانتظموا» .

3.كما ضبطه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۶۵ .

4.قاله المحقّق المازندراني؛ في شرحه، ج ۱۱ ، ص ۲۵۸ و۲۵۹ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
326

والسَوداء تأنيث أسود، من قولهم: هو أسود من فلان، أي أجلّ منه، والمقصود نخوة الجاهليّة وتجبّرها .
أو من السواد، ولعلّ الإضافة حينئذ من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، أو من قبيل لجين الماء ، وقد شاع تشبيه الجهل والكفر والضلال بالسواد وتوصيفها به.
وقيل: يحتمل أن يكون السوداء كناية عن البدع المظلمة ، أو الملل الباطلة المضلّة مضافة إلى الجاهليّة . ۱
وقيل: المراد بالسوداء إمّا الجاهليّة على أن تكون الإضافة بيانيّة، أو الجهالة، أو الخصلة الذميمة على أن تكون الإضافة بتقدير «في»، ووصفها بالسوداء للدلالة على حيرتهم فيها.
ولعلّ المراد أنّهم كانوا غائصين في الجاهليّة ، أو في جهالتها، أو في خصالها الذميمة، وهو كناية عن تصرّفاتهم الباطلة على جهل منهم بما ينبغي لهم من وجوه التصرّفات الصحيحة.
ويمكن أن يكون المراد أنّهم كانوا في شدّة وبليّة، وذلك لأنّ العرب كانت حينئذ في شدائد من ضيق المعاش والنهب والغارات وسفك الدماء . ۲
(ورضعوا ۳ جهالة) .
قال الجوهري: «رضع الصبي اُمّه يرضعها رضاعاً ، مثل سمع يسمع سماعاً . وأهل نَجد يقولون: رضع يرضع رَضعاً ، مثال ضرب يضرب ضرباً» . ۴
وأقول : بهذا يظهر فساد ما قيل من أنّ تشبيه الجهالة باللبن مكنيّة، ونسبة الرضاع إليها تخييليّة ۵ ، بل الصواب أن يقال: تشبيه الجهالة بالاُمّ مكنيّة، ونسبة الرضاع إليها ترشيح أو تخييل.
وفيه تنبيه على أنّهم من أوّل العمر كانوا راغبين في تحصيل لوازم الجهالة.

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۶۵ .

2.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۵۸ .

3.في الطبعة القديمة وشرح المازندراني ومرآة العقول : «ورضعوها» .

4.الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۲۲۰ (رضع) .

5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱، ص ۲۵۸ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 114802
صفحه از 630
پرینت  ارسال به