329
البضاعة المزجاة المجلد الأول

عن الربّ وصفاته، وما ينتظم به أمر معاشهم ومعادهم . و«نوراً» وما عطف عليه منصوب على التميز، وهو في المعنى فاعل «أسفر» ، كما هو المقرّر في النحو، والمراد به أنّ القرآن أو الشريعة أو العلوم الحقّة؛ أي يبصر بنورها ذو العماية، ويرشد بهداها ذو الغواية.
والمراد بالفضل إمّا الإحسان بهداية القلوب بعد ما كانت غائصة في ظلمات الذنوب، أو العلم والفضيلة، وهي الدرجة الرفيعة في الفضل والكمال، أو النعمة الجسميّة ، ومنه الفواضل وهي الأيادي الجميلة.
والمراد بالتأييد التقوية ، والنصرة في الدين ، والإعانة في طلب اليقين ، من الأيد بمعنى القوّة .
وملخّص المعنى: واللّه يعلم أسفر الحقّ، أي أضاء وأشرق وكشف نوره وفضله وتأييده عن الحجب الظلمانيّة المذكورة بسبب وجودنا، فوجودنا سبب لوصول تلك النعماء الجسميّة من اللّه تعالى إليهم.
قال: ويمكن أن يكون «أسفر» باعتبار أنّه بمعنى أضاء متعدّياً، و«نوراً» مفعوله، والباء للسببيّة، كما مرّ، فإنّ «أضاء» قد يجيء للتعدية أيضاً. ۱
(فتبوّؤا العزّ بعد الذلّة) .
قال الجوهري: «المُباءة : منزل القوم في كلّ موضع، وتبوّأت منزلاً، أي نزلته، وبوّأت للرجل منزلاً، وبوّأته منزلاً بمعنى، أي هيّأته ومكّنت له فيه» ۲ انتهى.
أي نزلوا وسكنوا واستقرّوا في عزّ الدنيا والآخرة بالهداية ، بعد الذلّة بالغواية والقتل والغارة وأمثالها من أسباب المذلّة.
(والكثرة بعد القلّة) .
في القاموس: «الكثرة ، ويكسر : نقيض القلّة». ۳
وقيل في توجيه كثرتهم بعد قلّتهم:
اجتماعهم على دين واحد، حتّى كأنّهم صاروا شخصاً واحداً بخلاف أحوالهم سابقاً،

1.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۲۴ (كثر) .

2.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۵۹ .

3.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۳۷ (بوأ) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
328

بأنّها تأثّر القلب عن وصول الأذى إلى الغير، والرحمة بأنّها ميل القلب إلى إيصال النفع إلى الغير، وعلى التقديرين نسبتهما إلى جناب القدس باعتبار الغايات لا المبادي.
قال الفيروزآبادي:
طلع الكوكب: ظهر، وأطلعه على الأمر: علّمه، وأطلع فلاناً علينا: أتانا، وأطلعته طِلْعَ أمري ، بالكسر: أبثثته سرّي ، وأطلع إليه معروفاً: أسدى، وفلاناً: أعجله ، وعلى سرّه: أظهره . ۱
وقال: «أسدى إليه: أحسن» ۲ انتهى.
وعليك تطبيق كلامه عليه السلام بأحد تلك المعاني بالتأمّل، ولا يبعد أن يقرأ: «أطلعنا» بصيغة المتكلّم على بعض الوجوه.
(وأسفر بنا عن الحجب نوراً لمن اقتبسه) .
في القاموس: «سفر الصبح يسفر: أضاء وأشرق، كأسفر، والمرأة: كشفت عن وجهها». ۳
وقال الجوهري: «اقتبس منه ناراً وعلماً: استفاده». ۴
(وفضلاً لمن اتّبعه، وتأييداً لمن صدّقه) .
يقال: أيّدته تأييداً، أي قوّيته. قال بعض الأفاضل: قوله عليه السلام : «وأسفر بنا» إلخ، أي أظهر بسببنا كاشفاً عن حجب الغيب التي أحاطت بنا نوراً، فقوله: «نوراً» مفعول للأسفار، والمراد أنّه أظهر بكلّ منّا نوراً، والمراد بالنور ذواتهم عليهم السلام على سبيل التجريد من قبيل: لقيت بزيد أسداً، أو علومهم وبركاتهم وآثارهم.
قال: ويحتمل أن يكون المراد بالنور الرسول صلى الله عليه و آله ، وعلى الأخير يحتمل أن يكون الباء للمعيّة، ويحتمل أن يكون للتعدية؛ إذ الغالب أنّ الأسفار يستعمل لازماً بمعنى الإضاءة، فقوله: «نوراً» حال، وإنّما اُفرد للإشعار بأنّهم نور واحد تنزيلاً للجميع منزلة شخص واحد. ۵
وقيل: الإسفار: الإضاءة والإشراق، والباء للسببيّة . والمراد بالحجب أغشية الجهالة المنصوبة على قلوب الكافرين، وأغطية الغفلة المضروبة على عقول الغافلين ، حتّى غفلوا

1.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۵۹ (طلع) .

2.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۴۱ (سدي) .

3.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۴۹ (سفر) مع التخليص .

4.الصحاح ، ج ۳ ، ص ۹۶۰ (قبس) مع اختلاف في الألفاظ .

5.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۶۵ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 114798
صفحه از 630
پرینت  ارسال به