341
البضاعة المزجاة المجلد الأول

مضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يستخلف أحداً، فلابدّ من خليفة لحفظ بيضة الإسلام، وكلّ واحد من الفريقين ادّعى أن يكون الخليفة منهم، وذكر لادّعائه مرغّبات، حتّى علت الأصوات واشتدّت المخاصمة، فبادر الثاني وبعض أهل النفاق إلى بيعة الأوّل ، ونذكره مفصّلاً إن شاء اللّه تعالى .
(فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله الطيّب المبارك) .
هما صفتان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وقوله: (أوّل مشهود عليه بالزور في الإسلام) خبر «كان»، وكون الثلاثة إخباراً له بعيد.
والمراد بشهادة الزور هنا شهادتهم بأنّه صلى الله عليه و آله مضى، ولم يستخلف أحداً.
قال الجوهري: «الطيّب: ضدّ الخبيث». ۱
وفي القاموس: «البركة ، محرّكة: النماء والزيادة والسعادة، وبارك على محمّد وآل محمّد: أدم له ما أعطيته من التشريف والكرامة». ۲
(وعن قليل يجدون غِبّ ما يعلمون) .
كلمة «عن» هنا بمعنى «بعد»، كما قيل في قوله تعالى: «عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ» . ۳
والغبّ ، بالكسر : عاقبة الشيء. وفيه وعيد بأنّهم يجدون جزاء أعمالهم عند الموت وبعده.
(وسيجد التالون) أي الذين يتلونهم، ويأتون على عقبهم، أو الذين يتّبعونهم.
(غبّ ما استنّه ۴ الأوّلون)، أي جعلوه سنّة، وأخذوا به.
وفي بعض النسخ: «أسّسه» من التأسيس، وهو بيان حدود الدار، ورفع قواعدها ، وبناء أصلها .
(ولئن كانوا في مَندوحة من المَهل) أي في سعة وإمهال من رفق اللّه تعالى بهم، أو من تأخيرهم. وقيل: أو من تقدّمهم في الدنيا وخيراتها. ۵
قال الفيروزآبادي: «المَهل ـ ويحرّك ـ والمُهلة بالضمّ: السكينة والرفق، ومهّله تمهيلاً:

1.المؤمنون (۲۳) : ۴۰ .

2.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۱۷۳ (طيب) .

3.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۲۹۳ (برك) .

4.في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «أسّسه» .

5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۶۴ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
340

ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما رووا من أخبارهم الموضوعة في ذلك؛ منها روايتهم عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» ۱ .
ومنها أنّه قال: «خير اُمّتي أبو بكر ثمّ عمر» . ۲
ومنها أنّه قال: «لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدّم عليه غيره» . ۳
ومنها أنّه قال: «لو كنت متّخذاً خليلاً دون ربّي ، لاتّخذت أبا بكر خليلاً، لكن هو شريكي في ديني، وصاحبي الذي أوجبت له صحبتي في الغار، وخليفتي في اُمّتي» . ۴
ومنها ما رووا عن عمرو بن العاص أنّه قال: قلت ۵ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : أيّ الناس أحبّ إليك؟ فقال: «عائشة» ، قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها» ، قلت: ثمّ من؟ قال: «عمر» . ۶
ومنها أنّه قال: «لو كان بعدي نبي، لكان عمر» . ۷
ومنها ما يدلّ التزاماً على ذلك ما رووا عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «لا يجتمع اُمّتي على خطأ» ۸ بعد ادّعائهم الإجماع على خلافة أبي بكر وغيرها من المفتريات والأكاذيب .
إذا عرفت هذا ظهر لك أنّ قول الفاضل المذكور : «لم أر دعواهم» إلخ غريب منه ، نعم ادّعى بعضهم الإجماع على عدم النصّ باستخلاف أحد ، منهم القاضي العضد في مواقفه، ومثل هذا التناقض في كلامهم أكثر من أن يحصى، واللّه الهادي إلى سبيل الرشاد .
(فلمّا كان من أمر سعد بن عُبادة ما كان رجعوا عن ذلك) أي عن ادّعائهم على الاستخلاف.
(وقالوا: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مضى ولم يستخلف) حيث اجتمع طائفة من الأنصار عليه في سقيفة بني ساعدة، وأرادوا أن يأخذوا له البيعة، فحضر الأوّل والثاني مع أتباعهما، وقالوا: إنّه

1.اُنظر : مسند أحمد ، ج ۵ ، ص ۳۸۲ ؛ سنن الترمذي ، ج ۵ ، ص ۲۷۱ ، ح ۳۷۳۴ ؛ المستدرك للحاكم ، ج ۳ ، ص ۷۵ .

2.اُنظر : المواقف للإيجي ، ج ۳ ، ص ۶۲۴ ؛ تمهيد الأوائل ، ص ۴۶۶ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۳۰ ، ص ۳۷۶ .

3.اُنظر : سنن الترمذي ، ج ۵ ، ص ۲۷۶ ، ح ۳۷۵۵ ؛ تحفة الأحوذي ، ج ۱۰ ، ص ۱۰۹ ؛ المواقف ، ج ۳ ، ص ۶۲۳ .

4.اُنظر : المواقف ، ج ۳ ، ص ۶۲۴ ؛ منار الهدى ، ص ۳۱۶ .

5.في النسخة : «قال» .

6.اُنظر : مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۲۰۳ ؛ صحيح البخاري ، ج ۴ ، ص ۱۹۲ ؛ صحيح مسلم ، ج ۷ ، ص ۱۰۹ .

7.اُنظر : المستدرك للحاكم ، ج ۳ ، ص ۸۵ ؛ مجمع الزوائد ، ج ۹ ، ص ۶۸ ؛ فتح الباري ، ج ۷ ، ص ۴۱ .

8.اُنظر : الحدائق الناظرة ، ج ۹ ، ص ۳۷۰ ؛ الفصول المختارة ، ص ۲۳۹ ؛ الصراط المستقيم ، ص ۱۲۵ ؛ المجموع للنووي ، ج ۱۰ ، ص ۴۲ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 114674
صفحه از 630
پرینت  ارسال به