349
البضاعة المزجاة المجلد الأول

والظاهر أنّ قوله: (لو كُشف لك عمّا هوى إليه الظالمون) مع جزاؤه الآتي ، وهو قوله: «لهربت إلى اللّه» جزاء «إذا» . قال الجوهري : «هوى ـ بالفتح ـ يهوي هويّاً ، أي سقط إلى أسفل، وكذلك الهوى في السير ، إذا مضى» ۱ ؛ أي لو كشف الحجاب بينك وبين ما سقطوا، أو ساروا إليه من النكال والوبال.
(وآل إليه الأخسرون) أي عمّا رجعوا إليه من سوء العاقبة وشدّه العقوبة.
(لهربتَ إلى اللّه) أي التجأت به.
(ممّا هم عليه مُقيمون) من الكفر والظلم.
وقيل: فيه إحضار للصورة الماضية ؛ للتنبيه على ظهورها ، والتنفير منها . ۲
(وإليه صائرون) بعد الموت من عذاب الأبد .
قيل: لما ذكر عليه السلام زمرة من الجاهلين ، وجملة من الجبّارين [الدين] أماتوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الشياطين، أمهلهم اللّه زماناً طويلاً، ثمّ أخذهم أخذاً وَبيلاً ، فصاروا إلى الآخرة وهم خاسرون، تذكرة للعالمين، وتنبيهاً للغافلين، عاد إلى إظهار حاله، وبيان أنّه الإمام للمؤمنين، والخليفة بعد الرسول الأمين . ۳
وقال : (ألا وإنّي فيكم أيّها الناس كهارون في آل فرعون) ؛ فإنّه شريك موسى عليه السلام في النبوّة ، إلّا أنّه لا نبيّ بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله .
(وكباب حِطّة في بني إسرائيل) إشارة إلى قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» . ۴
قال البيضاوي : «القرية: بيت المقدّس» . ۵
وقيل : أريحا ، اُمروا به بعد التيه، والباب باب القرية، أو القبّة التي كانوا يصلّون إليها؛ فإنّهم لم يدخلوا بيت المقدّس في حياة موسى عليه السلام .
و «قُولُوا حِطَّةٌ» أي مسألتنا، أو أمرك حطّة، وهي فِعلة من الحَطّ كالجلسة،

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۶۷ .

2.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۵۳۸ (هوي) .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۶۷ و۲۶۸ .

4.البقرة (۲) : ۵۸ .

5.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۶۶ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
348

(ومنهم من أردته الخَسفة) أي أهلكته الخسف والسَّوخ ۱ في الأرض كقارون.
قال الجوهري: «رَدي ـ بالكسر ـ يردى ردىً: هلك، وأرداه غيره» . ۲
وفي القاموس: «خسف المكان يَخسف خُسوفاً: ذهب في الأرض، واللّه بفلان الأرض: غيّبه فيها، والخَسفة: ماء غزير» . ۳«وَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ» أي ليعاملهم معاملة الظالم، فيعاقبهم بغير جرم؛ إذ ليس ذلك من عادته.
«وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»۴ بأن يعرّضوها للعذاب .
(ألا وإنّ لكلّ أجل كتاباً) .
قيل: لكلّ وقت وأحد حكم يكتب على العباد على ما يقتضيه استصلاحهم . ۵
وقيل: لكلّ أجل مكتوب كتب فيه ذلك الأجل، ولعلّها اللوح المحفوظ . ۶
وقيل: هو العلم الإلهي المعبّر عنه بالكتاب المبين . ۷
(فإذا بلغ الكتاب أجلَه) .
يحتمل أن يكون «أجله» بالرفع على البدليّة من الكتاب، أي إذا بلغ وتمّ أجل الكتاب .
وما قيل من أنّه يحتمل أن يكون مرفوعاً على الفاعليّة ، والكتاب منصوباً على المفعوليّة، أي إذا بلغ الأجل والعمر الحدّ الذي كتب في الكتاب ۸ ، نفيه أنّ الفاعل والمفعول إذا كانا معرفتين، ولم تكن قرينة على التعيين، وجب تقديم الفاعل.
ويمكن أن يراد بالكتاب الذي كتب فيه جميع تقديرات الشخص، ويكون مرفوعاً على الفاعليّة، و«أجله» منصوباً على المفعوليّة، أي إذا استكمل جميع ما قدّر وكتب فيه، وبلغ الأجل الذي هو آخر التقادير ومنتهاها، فحينئذ بلوغُ الكتاب أجلَه كناية عن انتهائه .

1.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۳۵۵ (ردي) .

2.السَّوْخُ في الأرض : الدخول فيها . اُنظر : لسان العرب ، ج ۳ ، ص ۲۷ .

3.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۱۳۳ (خسف) مع التلخيص .

4.التوبة (۹) : ۷۰ ؛ العنكبوت (۲۹) : ۴۰ .

5.راجع : تفسير جوامع الجامع ، ج ۲ ، ص ۲۶۷ ؛ تفسير النسفي ، ج ۲ ، ص ۲۲۱ ؛ تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۳۳۴ .

6.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۶۹ .

7.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۶۷ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110369
صفحه از 630
پرینت  ارسال به