357
البضاعة المزجاة المجلد الأول

أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوِ اقْتَبَسْتُمُ الْعِلْمَ مِنْ مَعْدِنِهِ، وَشَرِبْتُمُ الْمَاءَ بِعُذُوبَتِهِ، وَادَّخَرْتُمُ الْخَيْرَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَأَخَذْتُمُ الطَّرِيقَ مِنْ ۱ وَاضِحِهِ، وَسَلَكْتُمْ مِنَ الْحَقِّ نَهْجَهُ، لَنَهَجَتْ بِكُمُ السُّبُلُ، وَبَدَتْ لَكُمُ الْأَ عْلَامُ ، وَأَضَاءَ لَكُمُ الْاءِسْلَامُ ، فَأَكَلْتُمْ رَغَداً ، وَمَا عَالَ فِيكُمْ عَائِلٌ، وَلَا ظُلِمَ مِنْكُمْ مُسْلِمٌ وَلَا مُعَاهَدٌ، وَلكِنْ سَلَكْتُمْ سَبِيلَ الظَّلَامِ ، فَأَظْلَمَتْ عَلَيْكُمْ دُنْيَاكُمْ بِرُحْبِهَا، وَسُدَّتْ عَلَيْكُمْ أَبْوَابُ الْعِلْمِ، فَقُلْتُمْ بِأَهْوَائِكُمْ ۲ ، وَاخْتَلَفْتُمْ فِي دِينِكُمْ، ۳ فَأَفْتَيْتُمْ فِي ۴ دِينِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَاتَّبَعْتُمُ الْغُوَاةَ فَأَغْوَتْكُمْ، وَتَرَكْتُمُ الْأَ ئِمَّةَ فَتَرَكُوكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ تَحْكُمُونَ ۵ بِأَهْوَائِكُمْ ، إِذَا ذُكِرَ الْأَ مْرُ سَأَلْتُمْ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا أَفْتَوْكُمْ قُلْتُمْ: هُوَ الْعِلْمُ بِعَيْنِهِ، فَكَيْفَ وَقَدْ تَرَكْتُمُوهُ، وَنَبَذْتُمُوهُ، وَخَالَفْتُمُوهُ، رُوَيْداً عَمَّا قَلِيلٍ تَحْصُدُونَ جَمِيعَ مَا زَرَعْتُمْ، وَتَجِدُونَ وَخِيمَ مَا اجْتَرَمْتُمْ وَمَا اجْتَلَبْتُمْ ۶ .
وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي صَاحِبُكُمْ، وَالَّذِي بِهِ أُمِرْتُمْ وَأَنِّي عَالِمُكُمْ، وَالَّذِي بِعِلْمِهِ نَجَاتُكُمْ وَوَصِيُّ نَبِيِّكُمْ ، وَخِيَرَةُ رَبِّكُمْ ، وَلِسَانُ نُورِكُمْ، وَالْعَالِمُ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، فَعَنْ قَلِيلٍ رُوَيْداً يَنْزِلُ بِكُمْ مَا وُعِدْتُمْ، وَمَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، وَسَيَسْأَلُكُمُ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَنْ أَئِمَّتِكُمْ مَعَهُمْ تُحْشَرُونَ، وَإِلَى اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ غَداً تَصِيرُونَ.
أَمَا وَاللّهِ، لَوْ كَانَ لِي عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ، أَوْ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَهُمْ أَعْدَاؤُكُمْ ۷ ، لَضَرَبْتُكُمْ بِالسَّيْفِ حَتّى تَئُولُوا إِلَى الْحَقِّ، وَتُنِيبُوا لِلصِّدْقِ، فَكَانَ أَرْتَقَ لِلْفَتْقِ، وَآخَذَ بِالرِّفْقِ، اللّهُمَّ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ».
ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَمَرَّ بِصِيرَةٍ فِيهَا نَحْوٌ مِنْ ثَلاَ ثِينَ شَاةً، فَقَالَ: «وَاللّهِ، لَوْ أَنَّ لِي رِجَالاً يَنْصَحُونَ لِلّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَلِرَسُولِهِ بِعَدَدِ هذِهِ الشِّيَاهِ، لَأَزَلْتُ ابْنَ آكِلَةِ الذِّبَّانِ ۸ عَنْ مُلْكِهِ».

1.في الحاشية عن بعض النسخ: «من الطريق» بدل «الطريق من».

2.في الحاشية: «هذا من لوازم الجهل مع الاستنكاف عن ظهوره، وهكذا حال الجاهل المستنكف؛ فإنّه إذا سئل عن أمر مبهم أو ورد عليه أمر مشكل أوضحه بأهوائه الفاسدة وبيّنه بآرائه الكاسدة لئلّا يقولوا : إنّه جاهل. صالح» . شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۲۷۸ .

3.في الحاشية: «أي الذي اخترعتموه بالأهواء؛ إذ الأهواء مستلزمة للاختلاف قطعاً لتفاوت الأشخاص فيها. صالح». شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۲۷۸ .

4.في الحاشية عن بعض النسخ: «فاتّقيتم» بدل «فأفتيتم في».

5.في الحاشية عن بعض النسخ: «تحكون».

6.في الحاشية عن بعض النسخ: «اجتنيتم».

7.في الحاشية: عن بعض النسخ والطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «أعدادكم» .

8.في الحاشية عن بعض النسخ: «الذياب».


البضاعة المزجاة المجلد الأول
356

أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ:«الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَا هُوَ ، كَانَ حَيّاً بِلَا كَيْفٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَانٌ، وَلَا كَانَ لِكَانِهِ كَيْفٌ، وَلَا كَانَ لَهُ أَيْنٌ، وَلَا كَانَ فِي شَيْءٍ، وَلَا كَانَ عَلى شَيْءٍ، وَلَا ابْتَدَعَ لِكَانِهِ مَكَاناً، وَلَا قَوِيَ بَعْدَ مَا كَوَّنَ شَيْئاً، وَلَا كَانَ ضَعِيفاً قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَ شَيْئاً، وَلَا كَانَ مُسْتَوْحِشاً قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِعَ شَيْئاً، وَلَا يُشْبِهُ شَيْئاً، وَلَا كَانَ خِلْواً مِنَ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ، وَلَا يَكُونُ خِلْواً مِنْهُ بَعْدَ ذَهَابِهِ، كَانَ إِلهاً حَيّاً بِلَا حَيَاةٍ، وَمَالِكاً قَبْلَ أَنْ يُنْشِئَ شَيْئاً، وَمَالِكاً بَعْدَ إِنْشَائِهِ لِلْكَوْنِ.
وَلَيْسَ يَكُونُ لِلّهِ كَيْفٌ، وَلَا أَيْنٌ، وَلَا حَدٌّ يُعْرَفُ بِهِ، 1 وَلَا شَيْءٌ يُشْبِهُهُ، وَلَا يَهْرَمُ لِطُولِ بَقَائِهِ، وَلَا يَضْعُفُ 2 لِذُعْرَةٍ، وَلَا يَخَافُ كَمَا تَخَافُ خَلِيقَتُهُ مِنْ شَيْءٍ، وَلكِنْ سَمِيعٌ بِغَيْرِ سَمْعٍ، وَبَصِيرٌ بِغَيْرِ بَصَرٍ، وَقَوِيٌّ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَا تُدْرِكُهُ حَدَقُ النَّاظِرِينَ، وَلَا يُحِيطُ بِسَمْعِهِ سَمْعُ السَّامِعِينَ، إِذَا أَرَادَ شَيْئاً كَانَ بِلَا مَشُورَةٍ وَلَا مُظَاهَرَةٍ وَلَا مُخَابَرَةٍ.
وَلَا يَسْأَلُ أَحَداً عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ أَرَادَهُ «لا تُدْرِكُهُ الْأَ بْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَ بْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» . 3
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ، 4 وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، 5 أَرْسَلَهُ بِالْهُدى «وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» 6 ، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَنْهَجَ الدَّلَالَةَ .
أَيُّهَا الْأُمَّةُ الَّتِي خُدِعَتْ فَانْخَدَعَتْ، وَعَرَفَتْ خَدِيعَةَ مَنْ خَدَعَهَا ، فَأَصَرَّتْ عَلى مَا عَرَفَتْ، وَاتَّبَعَتْ أَهْوَاءَهَا، وَضَرَبَتْ فِي عَشْوَاءِ غَوَايَتِهَا، 7 وَقَدِ اسْتَبَانَ 8 لَهَا الْحَقُّ فَصَدَّتْ 9 عَنْهُ، وَالطَّرِيقُ الْوَاضِحُ فَتَنَكَّبَتْهُ.

1.في النسخة: «به» مرمّز ب «خ»، ولم يرد في كلتا الطبعتين .

2.في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني والوافي : «ولا يصعق» .

3.الأنعام (۶) : ۱۰۳ .

4.في الحاشية: «قالوا: هذه الكلمة أشرف كلمة منطبقة على جميع مراتب التوحيد. صالح». شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص۲۳۹ .

5.في الحاشية: «قدّم العبوديّة لتقدّمها في الواقع ، ولتحقّق معنى الترقّي ، ولئلّا يكون ذكرها بلا فائدة» . شرح المازندراني ، ج۱۱ ، ص ۲۳۹ .

6.التوبة (۹) : ۳۳ ؛ الفتح (۴۸) : ۲۸ .

7.في الحاشية عن بعض النسخ ومرآة العقول : «غوائها».

8.في الحاشية عن بعض النسخ: «استنار».

9.في الحاشية عن بعض النسخ ومرآة العقول : «فصدعت».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110726
صفحه از 630
پرینت  ارسال به