361
البضاعة المزجاة المجلد الأول

ويحتمل أن يكون من الأفعال الناقصة، والمعنى أنّه ليس بزمانيّ، أو ليس وجوده مقروناً بالكيفيّات المتغيّرة الزائده، وإدخال اللام والإضافة بتأويل الجملة مفرداً، أي هذا اللفظ كقولك: لزيدٌ قائم معنى . ۱
(ولا كان في شيء) ؛ لا كون الجزء في الكلّ، ولا الجزئي في الكلّي، ولا الحالّ في المحلّ كالصفة في الموصوف، ولا ككون المتمكّن في المكان، ولا الروح في البدن، ولا ما يشبهها، وذلك لأنّ التركيب ينافي الوجوب الذاتي.
ومعنى الحلول في الشيء الحصول فيه على سبيل التبعيّة، وهو عليه تعالى ممتنع؛ لأنّه إن افتقر إلى ذلك المحلّ في وجوده وكماله، لزم الاحتياج المنافي للوجوب الذاتي، وإن لم يفتقر إليه في كماله كان الحلول فيه نقصاً؛ لأنّ ما ليس بكمال فهو نقص يجب تنزيهه تعالى عنه.
ولما نفى الأين عنه تعالى مجملاً أراد أن ينفيه مفصّلاً لئلّا يتوهّم اختصاص النفي بالبعض، فقال: (ولا كان على شيء) لا بالمجاذاة، ولا بالوضع والترتيب، ولا بالاستقرار والاعتماد، كالملك على السرير ، والراكب على الركوب ، والسقف على الجدران ، والهواء على الماء؛ للزوم التشابه بالجسم والجسمانيّات، والاختصاص ببعض الجهات الممتنع عليه تعالى.
هذا والأظهر أن يكون هذا إشارة إلى استحالة المكان العرفي، وقوله: «ولا كان في شيء» إلى استحالة المكان المصطلح عند المتكلّمين والفلاسفة من البعد الموهوم، أو الموجود، أو السطح.
وقوله: (ولا ابتدع لكانه مكاناً) نفي لبعض ما نفى بقوله: «ولا كان على شيء»، فيكون نفياً للخاصّ بعد نفي العام للاهتمام، يعني لم يتّخذ لكونه واستقراره مكاناً كاتّخاذ الملك السرير، ويؤيّده ما مرّ في حديث أبي جعفر عليه السلام من قوله: «ولا ابتدع لمكانه مكاناً» ۲ ؛ أي لتمكّنه أو مكانته ومنزلته ورفعة محلّه.
وقيل: قوله: «ولا كان في شيء» إشارة إلى نفي المكان بالمعنى المصطلح عند الفلاسفة مطلقاً، وقوله: «ولا كان على شيء» إشارة إلى نفيه بالمعنى المصطلح عند المتكلّمين، وقوله:

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۷۱ .

2.الكافي ، ج ۱ ، ص ۸۸ ، باب الكون والمكان ، ح ۳ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
360

اسمه، وثانياً ناقصة، و«كيف» بالرفع اسمه، والظرف المقدّم خبره، يعني أنّه كان أزلاً، والحال أنّه ما كان لوجوده كيف؛ لأنّ الكيف حادث ، وإذا كان كذلك، فوجب أن لا يتّصف به أبداً؛ لأنّه أبده كأزله، وأزله كأبده، ولأنّ الكيف إن كان من صفات كماله لزم نقصه في الأزل؛ لعدم اتّصافه به، وإن لم يكن منها كان نقصاً له، فيلزم النقص في الاتّصاف به في الأبد ، والنقص عليه محال.
(ولا كان له أين) أي كان في الأزل، ولا كان له أين؛ لأنّ الأين أيضاً حادث، فيستحيل كونه فيه؛ لمثل ما مرّ.
ويحتمل أن يكون المراد بالفقرتين أنّه كان في الأزل، وما كان له استعداد الاتّصاف بالكيف، ولا استعداد الحصول في الأين حتّى ينقل من الاستعداد إلى الفعل بعد إيجاد الكيف والأين.
إلى هاهنا كلام بعض الشارحين ۱ ، ولا يخفى ما فيه من التعسّفات ، والأظهر ما قرّره بعض الأفاضل الأعلام، قال:
قوله عليه السلام : «ولم يكن له كان» ، الظاهر أنّ «كان» اسم «لم يكن»؛ لأنّه لمّا قال عليه السلام : «كان»، أوهم العبارة زماناً، فنفى عليه السلام ذلك بأنّه كان بلا زمان، أو لأنّ الكون يتبادر منه الحدوث عرفاً، ويخترع الوهم للكون مبدأ، نفى عليه السلام ذلك بأنّ وجوده تعالى أزليّ لا يمكن أن يقال: حدث في ذلك الزمان، فالمراد بـ «كان» على التقديرين ما يفهم ويتبادر، أو يتوهّم منه .
قال:
وقوله عليه السلام : «ولا كان لكانه» يحتمل أن يكون المراد: لكونه ، ويكون القلب على لغة أبي الحرث بن كعب، حيث جوّز قلب الواو والياء الساكنتين أيضاً مع انفتاح ما قبلهما ألفاً، أي ليس له وجود زائد يتكيّف به الذات، أو ليس وجوده كوجود الممكنات مقروناً بالكيفيّات، ويؤيّده ما رواه في كتاب التوحيد ۲ في خبر شبيه بصدر هذه الخطبة عن أبي جعفر عليه السلام : «كان لم يزل حيّاً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه كون، كيف ولا كان له أين، ولا كان في شيء، ولا كان على شيء، ولا ابتدع لكانه مكاناً».

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۲۷۱ .

2.راجع : التوحيد للصدوق رحمه الله ، ص ۱۱۴ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110652
صفحه از 630
پرینت  ارسال به