وقال بعض الأفاضل:
الملك بالضمّ والكسر يكون بمعنى السلطنة والمالكيّة والعظمة، وبمعنى ما يُملك، والضمّ في الأوّل أشهر ، فيحتمل أن يكون المراد عند ذكره وعند إرجاع الضمير إليه معاً هو الأوّل، أي كان سلطاناً عظيماً قبل خلق السلاطين وسلطنتهم وعظمتهم.
ويحتمل أن يكون المراد عند ذكره المعنى الأوّل ، وعند إرجاع الضمير إليه المعنى الثاني على طريقة الاستخدام، وهو أظهر معنى .
ويحتمل أن يكون الضمير راجعاً إلى اللّه تعالى بالإضافة إلى الفاعل، أي قبل إنشائه الأشياء، لكنّه لا يناسب الفقرة الثانية، كما لا يخفى.
والحاصل على التقادير أنّ سلطنته تعالى ليس بخلق الأشياء؛ لغناه عنها، وعدم تقوّيه بها، بل بقدرته على خلقها وخلق أضعاف أضعافها، وهذه القدرة لا تنفكّ عنه تعالى.
وفيه ردّ على القائلين بالقدم، ودلالة هذه الفقرات على الحدوث ظاهرة. انتهى . ۱
قال رفيع العلماء رحمه الله:
قوله: «ولا كان خِلواً»، أي خالياً «من المُلك» ـ بضمّ الميم ـ أي العظمة والسلطنة «قبل إنشائه» ، أي إنشائه شيئاً ؛ لقدرته على إيجاد الأشياء وإبقائها على الوجود وإعدامها بعد الوجود وإبقائها على العدم، وكونه جامعاً في ذاته لا يحتاج إليه فعله، وحاجة المهيّات إليه في الوجود مطلقاً لذواتها، فهو غاية العظمة، وأعلى مراتب السلطنة والغلبة على الأشياء كلّها، «ولا يكون منه» ، أي من الملك «خلواً بعد ذهابه» ، أي ذهاب ما أنشأه، أو إنشائه لما ذكرناه.
انتهى كلامه رفع اللّه مقامه . ۲
وقيل: إنّه تعالى لما ليس زمانيّاً ولا زماناً، ولا مكانيّاً ولا مكاناً، ولا امتداد فيه، كانت نسبته إلى ملكه، وهو الموجودات العينيّة قبل إنشائها وحين إنشائها وبعد فنائها نسبة واحدة، لا تقدّم ولا تأخّر فيها، بل كلّها حاضرة عنده لا باعتبار أنّها كانت معه في الأزل، أو تكون معه فيما لا يزال لبطلان ذلك، بل باعتبار أنّه لا يجري فيه زمان وأحكامه، وأنّ نسبته إلى الأزل والأبد والوسط واحدة، فالعقل الصحيح إذا تجرّد عن شبهات الأوهام ولواحق الزمان،