والظاهر أنّ المراد بالصدق ولايته عليه السلام . وفي بعض النسخ: «وتُنبؤوا» على البناء للمفعول، من النبأ وهو الخبر، ولعلّ معناه: تُخبَروا بالصدق وتذعنوا به.
(فكان) ذلك الأوْل والإنابة، أو ضرب السيف لتحصيلها (أرتق للفَتق) .
الفَتق: الشقّ، والرَّتق ضدّه. وقيل: أراد بالفتق هنا شقّ عصا المسلمين، ووقوع المنازعة بينهم في أمر الدين وفي أحكامه المبتنية على العلم واليقين. ۱
(وآخذ بالرفق) أي وكان الأخذ بالرفق واللطف للناس أكثر. والأخذ: التناول. والرفق: ضدّ الخرق، وهو اللين والتلطّف، وترك العنف والعجلة.
ووجه التفريع ظاهر؛ فإنّ الإمام إذا كان عادلاً معصوماً، وله أعوان وأنصار يزجرون من خالفه حتّى يؤولوا إلى الحقّ، ويذعنوا بالصدق، لم يقع بينهم شقاق في الدين، ولا منازعة في شيء من أحكامه، ولا جور وعنف وخشونة على أحد، بخلاف ما إذا كان ظالماً جاهلاً؛ فإنّ الظلم والجهل منشأ للفتق ولواحقه من المفاسد ما لا يحصى.
(ثمّ خرج من المسجد فمرّ بِصيرة) بكسر الصاد وسكون الياء المثنّاة التحتانيّة، وهي حظيرة تتّخذ للدوابّ من الحجارة، وأغصان الشجرة، والجمع «صِير» بسكون الياء، و«صِيَر» بفتحها.
(فيها نحو من ثلاثين شاة ، فقال: واللّه لو أنّ لي رجالاً ينصحون للّه ولرسوله بعدد هذه الشياه) أي تكون جميع حركاتهم وسكناتهم للّه وللرسول، وموافقة لقوانين الشريعة، ولا يكون لهم تعلّق بالدنيا وحياتها .
وقوله عليه السلام : «لأزلتُ ابن آكلة الذِّبّان عن مُلكه) .
الذبّان ـ بالكسر وتشديد الباء الموحّدة ـ جمع الذُّباب بالضمّ، وهو معروف.
وفي بعض النسخ: «الذِّياب» بلفظ المفرد، والمراد به أبوبكر، واسم اُمّه سَلمى بنت صخر بن عامر، وكنيتها اُمّ الخير.
ولعلّ ابن آكلة الذبّان إشارة إلى واقعة اشتهر بها هو، أو اُمّه، أو هو كناية عن دناءة أصله، ورداءة نسبه وحسبه، أو يكون تلقيبه بهذا اللقب للتنفير.
وقيل: لأنّ العرب في مقام ذمّ رجل ينسبونه إلى اُمّه، خصوصاً إذا اشتهرت بلقب خبيث.