391
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وقد ظهر من تفسيره عليه السلام في الآية السابقة أنّ المراد بالعهد أخذ الميثاق بالولاية.
«وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ»۱ .
أي الكاملين في الفسق بترك الولاية، و«وجدنا» بمعنى علمنا؛ لتعديته إلى المفعولين، ودخول «إن» المخفّفة واللام الفارقة ، وذلك لا يسوغ إلّا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما، وعند الكوفيّين «إن» للنفي، واللام بمعنى إلّا .
وقوله: (فقال: يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللّه في كتابه) في سورة الحجر، فقال: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* اُدْخُلُوهَا بِسَلاَ مٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» . ۲
قال البيضاوي:
«إخواناً» حال من ضمير «في جنّات»، أو فاعل «اُدخلوها»، أو الضمير في «آمنين» ، أو الضمير المضاف إليه، والعامل فيها معنى الإضافة، وكذا قوله: «عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» ، ويجوز أن يكونا صفتين لإخواناً، أو حال من ضميره؛ لأنّه بمعنى متصافين ، وأن يكون متقابلين حالاً من المستتر على سرر . ۳
(واللّه ما أراد بهذا غيركم) .
الظاهر أنّ «هذا» إشارة إلى «إخواناً». ويحتمل أن يكون إشارة إلى المتّقين، والمآل واحد.
(فقال: يا أبا محمّد، «الْأَ خِلاّءُ» ) أي الأحبّاء، جمع خليل، وهو الصديق المختصّ، أو الصادق، أو من أصفى المودّة وأصحّها .
(يَوْمَئِذٍ) . جمهور المفسّرين على أنّه يوم القيامة، وقال بعضهم: في الدنيا.
«بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» أي يتعادون يومئذ؛ لانقطاع علاقة الخلّة لظهور ما كانوا يتخالّون له سبباً للعذاب.
«إِلاَّ الْمُتَّقِينَ»۴ ؛ فإنّ خلّتهم لما كانت في اللّه، تبقى نافعة أبداً.
قال بعض المفسّرين: «المراد بالمتّقين هنا المؤمنون». وقال بعضهم: «الذين يتّقون المعاصي». ۵

1.الأعراف (۷) : ۱۰۲ .

2.الحجر (۱۵) : ۴۵ ـ ۴۷ .

3.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۳۷۳ .

4.الزخرف (۴۳) : ۶۷ .

5.راجع : تفسير مجمع البيان ، ج ۲ ، ص ۱۵۶ ؛ وج ۹ ، ۹۳ ؛ تفسير السمرقندي ، ج ۳ ، ص ۲۵۰ ؛ تفسير الثعلبي ، ج ۸ ، ص۳۴۲ ؛ تفسير السمعاني ، ج ۱ ، ص ۲۵۶ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
390

اللّه في الحرب، فوفى به. وقيل: النحب: الموت، كأنّه ألزم نفسه أن يقاتل حتّى يموت . ۱
وقال الجوهري: «النحب: المدّة، والوقت. يقال: قضى فلان نحبه، إذا مات». ۲
وقال عليه السلام في تفسير هذه الآية: (إنّكم وفيتم بما أخذ اللّه عليه ميثاقكم من ولايتنا).
هذا ناظر إلى قوله تعالى: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ» .
(وإنّكم لم تُبدّلوا بنا غيرنا) .
هذا ناظر إلى قوله: «وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» . ۳
ويفهم منه أن يكون أموات الشيعة ممّن قضى نحبه، وأحياؤهم ممّن ينتظر، ويدلّ عليه صريح بعض الأخبار.
وقيل: الظاهر أنّ الجارّ والمجرور في الآية في المواضع الثلاثة مبتدأ على معنى بعضهم، وما بعده خبره، دون العكس؛ لعدم الفائدة في الإخبار، وإن كان العكس هو المعروف من النحاة، وقد صرّح بذلك الشهيد رحمه الله في هذه الآية وفي قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْاخَرِ»۴ الآية، ولجواز العكس وبيان فائدته مجال من التوجيه ۵ ، فتأمّل.
(ولو لم تفعلوا لعيّركم اللّه كما عيّرهم) .
اللام للابتداء، أو موطئة القسم، أي لو لم تفعلوا الوفاء بالعهد، أو لم تكونوا من الذين وفوا بالعهد، وبدّلتم بأولياء اللّه غيرهم كمّا بدّلوا، لدختلم في التعيير كما دخلوا.
(حيث يقول جلّ ذكره) في سورة الأعراف: «وَما وَجَدْنا لأكْثَرِهِمْ» .
قال بعض المفسّرين:
أي لأكثر الناس، أو لأكثر الاُمم المذكورين. «مِنْ عَهْدٍ» : وفاء عهد؛ فإنّ أكثرهم نقضوا ما عهد اللّه إليهم في الإيمان والتقوى بإنزال الآيات، ونصب الحجج، أو ما عهدوا إليه حين كانوا في ضرر مخافة، مثل: «لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ»۶ ، كذا قيل. ۷

1.النهاية ، ج ۵ ، ص ۲۶ (نحب) .

2.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۲۲۲ (نحب) .

3.الأحزاب (۳۳) : ۲۳ .

4.البقرة (۲) : ۸ .

5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۱۱ .

6.يونس (۱۰) : ۲۲ .

7.قاله البيضاوي في تفسيره ، ج ۳ ، ص ۴۴ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109884
صفحه از 630
پرینت  ارسال به