429
البضاعة المزجاة المجلد الأول

الْأَ رْحَامِ؛ فَإِنِّي أَنَا اللّهُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، وَالرَّحِمُ أَنَا خَلَقْتُهَا فَضْلاً مِنْ رَحْمَتِي لِيَتَعَاطَفَ بِهَا الْعِبَادُ، وَلَهَا عِنْدِي سُلْطَانٌ فِي مَعَادِ الآْخِرَةِ، وَأَنَا قَاطِعُ مَنْ قَطَعَهَا، وَوَاصِلُ مَنْ وَصَلَهَا، وَكَذلِكَ أَفْعَلُ بِمَنْ ۱ ضَيَّعَ أَمْرِي.
يَا مُوسى، أَكْرِمِ السَّائِلَ إِذَا أَتَاكَ بِرَدٍّ جَمِيلٍ، أَوْ إِعْطَاءٍ يَسِيرٍ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِيكَ مَنْ لَيْسَ بِإِنْسٍ وَلَا جَانٍّ، مَلَائِكَةُ الرَّحْمنِ يَبْلُونَكَ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِيمَا أَوْلَيْتُكَ، وَكَيْفَ مُوَاسَاتُكَ فِيمَا خَوَّلْتُكَ؟!
وَاخْشَعْ لِي بِالتَّضَرُّعِ، وَاهْتِفْ [لِي] بِوَلْوَلَةِ الْكِتَابِ، وَاعْلَمْ أَنِّي أَدْعُوكَ دُعَاءَ السَّيِّدِ مَمْلُوكَهُ لِيَبْلُغَ بِهِ شَرَفَ الْمَنَازِلِ، وَذلِكَ مِنْ فَضْلِي عَلَيْكَ وَعَلى آبَائِكَ الْأَ وَّلِينَ.
يَا مُوسى، لَا تَنْسَنِي عَلى كُلِّ حَالٍ، وَلَا تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ؛ فَإِنَّ نِسْيَانِي يُقْسِي الْقُلُوبَ، ۲ وَمَعَ كَثْرَةِ الْمَالِ كَثْرَةُ الذُّنُوبِ، الْأَ رْضُ مُطِيعَةٌ، وَالسَّمَاءُ مُطِيعَةٌ، وَالْبِحَارُ مُطِيعَةٌ، وَعِصْيَانِي شَقَاءُ الثَّقَلَيْنِ، وَأَنَا الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، رَحْمَانُ كُلِّ زَمَانٍ آتِي بِالشِّدَّةِ بَعْدَ الرَّخَاءِ، وَبِالرَّخَاءِ بَعْدَ الشِّدَّةِ، وَبِالْمُلُوكِ بَعْدَ الْمُلُوكِ، وَمُلْكِي دَائِمٌ قَائِمٌ لَا يَزُولُ، وَلَا يَخْفى عَلَيَّ شَيْءٌ فِي الْأَ رْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَكَيْفَ يَخْفى عَلَيَّ مَا مِنِّي مُبْتَدَؤُهُ؟! وَكَيْفَ لَا يَكُونُ هَمُّكَ فِيمَا عِنْدِي وَإِلَيَّ تَرْجِعُ لَا مَحَالَةَ؟!
يَا مُوسَى اجْعَلْنِي حِرْزَكَ، وَضَعْ عِنْدِي كَنْزَكَ مِنَ الصَّالِحَاتِ، وَخَفْنِي وَلَا تَخَفْ غَيْرِى،¨ إِلَيَّ الْمَصِيرُ.
يَا مُوسَى ارْحَمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ فِي الْخَلْقِ، وَلَا تَحْسُدْ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ؛ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ، كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ.
يَا مُوسى، إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ تَوَاضَعَا فِي مَنْزِلَةٍ لِيَنَالَا بِهَا مِنْ فَضْلِي وَرَحْمَتِي، فَقَرَّبَا قُرْبَاناً، وَلَا أَقْبَلُ إِلَا مِنَ الْمُتَّقِينَ، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَكَيْفَ تَثِقُ بِالصَّاحِبِ بَعْدَ الْأَ خِ وَالْوَزِيرِ؟!
يَا مُوسى، ضَعِ الْكِبْرَ، وَدَعِ الْفَخْرَ، وَاذْكُرْ أَنَّكَ سَاكِنُ الْقَبْرِ، فَلْيَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الشَّهَوَاتِ.
يَا مُوسى، عَجِّلِ التَّوْبَةَ، وَأَخِّرِ الذَّنْبَ، وَتَأَنَّ فِي الْمَكْثِ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَا تَرْجُ غَيْرِي، اتَّخِذْنِي جُنَّةً لِلشَّدَائِدِ، وَحِصْناً لِمُلِمَّاتِ الْأُمُورِ.
يَا مُوسى، كَيْفَ تَخْشَعُ لِي خَلِيقَةٌ لَا تَعْرِفُ فَضْلِي عَلَيْهَا؟! وَكَيْفَ تَعْرِفُ فَضْلِي عَلَيْهَا وَهِيَ لَا تَنْظُرُ فِيهِ؟! وَكَيْفَ تَنْظُرُ فِيهِ وَهِيَ لَا تُؤْمِنُ بِهِ؟! وَكَيْفَ تُؤْمِنُ بِهِ وَهِيَ لَا تَرْجُو ثَوَاباً؟! وَكَيْفَ تَرْجُو

1.في الحاشية عن بعض النسخ: «لمن».

2.في الحاشية عن بعض النسخ: «القلب».


البضاعة المزجاة المجلد الأول
428

عِلْمِي، وَكَذلِكَ خَلَقْتُهُ ، بِهِ أَفْتَحُ السَّاعَةَ، وَبِأُمَّتِهِ أَخْتِمُ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا، فَمُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يَدْرُسُوا اسْمَهُ، وَلَا يَخْذُلُوهُ، وَإِنَّهُمْ لَفَاعِلُونَ، وَحُبُّهُ لِي حَسَنَةٌ، فَأَنَا مَعَهُ، وَأَنَا مِنْ حِزْبِهِ، وَهُوَ مِنْ حِزْبِي، وَحِزْبُهُمُ الْغَالِبُونَ، فَتَمَّتْ كَلِمَاتِي، لَأُظْهِرَنَّ دِينَهُ عَلَى الْأَ دْيَانِ كُلِّهَا، وَلَأُعْبَدَنَّ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَلَأُنْزِلَنَّ عَلَيْهِ قُرْآناً فُرْقَاناً، شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنْ نَفْثِ الشَّيْطَانِ.
فَصَلِّ عَلَيْهِ يَا ابْنَ عِمْرَانَ؛ فَإِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتِي.
يَا مُوسى، أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا إِلهُكَ، لَا تَسْتَذِلَّ الْحَقِيرَ الْفَقِيرَ، وَلَا تَغْبِطِ الْغَنِيَّ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، وَكُنْ عِنْدَ ذِكْرِي خَاشِعاً، وَعِنْدَ تِلَاوَتِهِ بِرَحْمَتِي طَامِعاً، وَأَسْمِعْنِي لَذَاذَةَ التَّوْرَاةِ بِصَوْتٍ خَاشِعٍ حَزِينٍ، اطْمَئِنَّ عِنْدَ ذِكْرِي، وَذَكِّرْ بِي مَنْ يَطْمَئِنُّ إِلَيَّ، وَاعْبُدْنِي، وَلَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً، وَتَحَرَّ مَسَرَّتِي، إِنِّي أَنَا السَّيِّدُ الْكَبِيرُ، إِنِّي خَلَقْتُكَ مِنْ نُطْفَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، مِنْ طِينَةٍ أَخْرَجْتُهَا مِنْ أَرْضٍ ذَلِيلَةٍ مَمْشُوجَةٍ، فَكَانَتْ بَشَراً فَأَنَا صَانِعُهَا خَلْقاً، فَتَبَارَكَ وَجْهِي، وَتَقَدَّسَ صَنِيعِي، لَيْسَ كَمِثْلِي شَيْءٌ، وَأَنَا الْحَيُّ الدَّائِمُ الَّذِي لَا أَزُولُ.
يَا مُوسى، كُنْ إِذَا دَعَوْتَنِي خَائِفاً مُشْفِقاً وَجِلاً، عَفِّرْ وَجْهَكَ لِي فِي التُّرَابِ، ۱ وَاسْجُدْ لِي بِمَكَارِمِ بَدَنِكَ، وَاقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْقِيَامِ، وَنَاجِنِي حِينَ تُنَاجِينِي بِخَشْيَةٍ مِنْ قَلْبٍ وَجِلٍ، وَاحْيَ بِتَوْرَاتِي أَيَّامَ الْحَيَاةِ، وَعَلِّمِ الْجُهَّالَ مَحَامِدِي، وَذَكِّرْهُمْ آلَائِي وَنِعْمَتِي، وَقُلْ لَهُمْ لَا يَتَمَادَوْنَ فِي غَيِّ مَا هُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّ أَخْذِي أَلِيمٌ شَدِيدٌ.
يَا مُوسى، إِذَا ۲ انْقَطَعَ حَبْلُكَ مِنِّي لَمْ يَتَّصِلْ بِحَبْلِ غَيْرِي، فَاعْبُدْنِي، وَقُمْ بَيْنَ يَدَيَّ مَقَامَ الْعَبْدِ الْحَقِيرِ الْفَقِيرِ ۳ ، ذُمَّ نَفْسَكَ، فَهِيَ أَوْلى بِالذَّمِّ، وَلَا تَتَطَاوَلْ بِكِتَابِي عَلى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَفى بِهذَا وَاعِظاً لِقَلْبِكَ وَمُنِيراً، وَهُوَ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ وَتَعَالى.
يَا مُوسى، مَتى مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي، فَإِنِّي سَأَغْفِرُ لَكَ عَلى مَا كَانَ مِنْكَ السَّمَاءُ تُسَبِّحُ لِي وَجَلاً، وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ مَخَافَتِي مُشْفِقُونَ، وَالْأَ رْضُ تُسَبِّحُ لِي طَمَعاً، وَكُلُّ الْخَلْقِ يُسَبِّحُونَ لِي دَاخِرِينَ . ۴
ثُمَّ عَلَيْكَ بِالصَّلَاةِ الصَّلَاةِ ؛ فَإِنَّهَا مِنِّي بِمَكَانٍ، وَلَهَا عِنْدِي عَهْدٌ وَثِيقٌ، وَأَلْحِقْ بِهَا مَا هُوَ مِنْهَا زَكَاةَ الْقُرْبَانِ مِنْ طَيِّبِ الْمَالِ وَالطَّعَامِ؛ فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ إِلَا الطَّيِّبَ يُرَادُ بِهِ وَجْهِي، وَاقْرُنْ مَعَ ذلِكَ صِلَةَ

1.في الحاشية عن بعض النسخ: «بالتراب».

2.في الحاشية عن بعض النسخ: «إن».

3.في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : - «الفقير» .

4.في النسخة: «داخرين».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110101
صفحه از 630
پرینت  ارسال به