431
البضاعة المزجاة المجلد الأول

الآْخِرَةُ، فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا يَفْتُرُ، قَدْ حَالَتْ شَهْوَتُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَذَّةِ الْعَيْشِ، فَأَدْلَجَتْهُ بِالْأَ سْحَارِ كَفِعْلِ الرَّاكِبِ السَّائِقِ إِلى غَايَتِهِ، يَظَلُّ كَئِيباً، وَيُمْسِي حَزِيناً، فَطُوبى لَهُ لَوْ قَدْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ذَا يُعَايِنُ مِنَ السُّرُورِ؟!
يَا مُوسَى الدُّنْيَا نُطْفَةٌ لَيْسَتْ بِثَوَابٍ لِلْمُؤْمِنِ، وَلَا نَقِمَةٍ مِنْ فَاجِرٍ، فَالْوَيْلُ الدَّائِمُ ۱
لِمَنْ بَاعَ ثَوَابَ مَعَادِهِ بِلَعْقَةٍ لَمْ تَبْقَ، وَبِلَعْسَةٍ ۲ لَمْ تَدُمْ، فَكَذلِكَ فَلْتَكُنْ ۳ كَمَا أَمَرْتُكَ، وَكُلُّ أَمْرِي رَشَادٌ .
يَا مُوسى، إِذَا رَأَيْتَ الْغِنى مُقْبِلاً، فَقُلْ: ذَنْبٌ عُجِّلَتْ لِي عُقُوبَتُهُ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلاً، فَقُلْ: مَرْحَباً بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ، وَلَا تَكُنْ جَبَّاراً ظَلُوماً، وَلَا تَكُنْ لِلظَّالِمِينَ قَرِيناً.
يَا مُوسى، مَا عُمُرٌ وَإِنْ طَالَ يُذَمُّ ۴ آخِرُهُ، وَمَا ضَرَّكَ مَا زُوِيَ عَنْك إِذَا حُمِدَتْ مَغَبَّتُهُ.
يَا مُوسى، صَرَخَ الْكِتَابُ إِلَيْكَ صُرَاخاً بِمَا أَنْتَ إِلَيْهِ صَائِرٌ، فَكَيْفَ تَرْقُدُ عَلى هذَا الْعُيُونُ؟! أَمْ كَيْفَ يَجِدُ قَوْمٌ لَذَّةَ الْعَيْشِ لَوْ لَا التَّمَادِي فِي الْغَفْلَةِ، وَا لأِّبَاعُ لِلشِّقْوَةِ، وَالتَّتَابُعُ لِلشَّهْوَةِ، وَمِنْ دُونِ هذَا يَجْزَعُ ۵ الصِّدِّيقُونَ.
يَا مُوسى، مُرْ عِبَادِي يَدْعُونِي عَلى مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يُقِرُّوا لِي ۶ أَنِّي أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، مُجِيبُ ۷ الْمُضْطَرِّينَ، وَأَكْشِفُ السُّوءَ، وَأُبَدِّلُ الزَّمَانَ، وَآتِي بِالرَّخَاءِ، وَأَشْكُرُ الْيَسِيرَ، وَأُثِيبُ الْكَثِيرَ، وَأُغْنِي الْفَقِيرَ، وَأَنَا الدَّائِمُ الْعَزِيزُ الْقَدِيرُ، فَمَنْ لَجَأَ إِلَيْكَ، وَانْضَوى ۸ إِلَيْكَ مِنَ الْخَاطِئِينَ، فَقُلْ: أَهْلاً وَسَهْلاً يَا رَحْبَ الْفِنَاءِ بِفِنَاءِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَكُنْ لَهُمْ كَأَحَدِهِمْ، وَلَا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِمْ بِمَا أَنَا أَعْطَيْتُكَ فَضْلَهُ، وَقُلْ لَهُمْ: فَلْيَسْأَلُونِي مِنْ فَضْلِي وَرَحْمَتِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ غَيْرِي، وَأَنَا ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
طُوبى لَكَ يَا مُوسى كَهْفُ الْخَاطِئِينَ، وَجَلِيسُ الْمُضْطَرِّينَ، وَمُسْتَغْفِرٌ لِلْمُذْنِبِينَ، إِنَّكَ مِنِّي بِالْمَكَانِ الرَّضِيِّ، فَادْعُنِي بِالْقَلْبِ النَّقِيِّ، ۹ وَاللِّسَانِ الصَّادِقِ، وَكُنْ كَمَا أَمَرْتُكَ، أَطِعْ أَمْرِي، وَلَا تَسْتَطِلْ عَلى عِبَادِي بِمَا لَيْسَ مِنْكَ مُبْتَدَاهُ، وَتَقَرَّبْ إِلَيَّ؛ فَإِنِّي مِنْك قَرِيبٌ، فَإِنِّي لَمْ أَسْأَلْكَ مَا يُؤْذِيكَ

1.في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين : «الطويل» .

2.في الحاشية عن بعض النسخ: «وبلغة». وفي الطبعة الجديدة : «وبلعقة» . وفي بعض نسخ الكافي والوافي : «وبلعة» بالعين المهملة . وفي بعض النسخ وشرح المازندراني : «ويلعقه» .

3.في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «وكذلك فكن» بدل «فكذلك فلتكن» .

4.في الحاشية عن بعض النسخ: «يدوم».

5.في الحاشية عن بعض النسخ: «يفزع».

6.في الحاشية عن بعض النسخ: «بي».

7.في النسخة: + «دعوة» مرمّز ب «خ».

8.في الحاشية عن بعض النسخ: «وانطوى».

9.في الحاشية عن بعض النسخ: «التقيّ».


البضاعة المزجاة المجلد الأول
430

ثَوَاباً وَهِيَ قَدْ قَنِعَتْ بِالدُّنْيَا، وَاتَّخَذَتْهَا مَأْوًى، وَرَكَنَتْ إِلَيْهَا رُكُونَ الظَّالِمِينَ؟!
يَا مُوسى، نَافِسْ فِي الْخَيْرِ أَهْلَهُ؛ فَإِنَّ الْخَيْرَ كَاسْمِهِ، وَدَعِ الشَّرَّ لِكُلِّ مَفْتُونٍ.
يَا مُوسَى اجْعَلْ لِسَانَكَ [مِنْ] وَرَاءِ قَلْبِكَ تَسْلَمْ، وَأَكْثِرْ ذِكْرِي بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تَغْنَمْ، وَلَا تَتَّبِعِ الْخَطَايَا فَتَنْدَمَ؛ فَإِنَّ الْخَطَايَا مَوْعِدُهَا النَّارُ.
يَا مُوسى، أَطِبِ الْكَلَامَ لأهْلِ التَّرْكِ لِلذُّنُوبِ، وَكُنْ لَهُمْ جَلِيساً، وَاتَّخِذْهُمْ لِغَيْبِكَ إِخْوَاناً، وَجِدَّ مَعَهُمْ يَجِدُّونَ مَعَكَ.
يَا مُوسَى الْمَوْتُ يَأْتِيكَ ۱ لَا مَحَالَةَ، فَتَزَوَّدْ زَادَ مَنْ هُوَ عَلى مَا يَتَزَوَّدُ وَارِدٌ عَلَى الْيَقِينِ . ۲
يَا مُوسى ، مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهِي فَكَثِيرٌ قَلِيلُهُ، وَمَا أُرِيدَ بِهِ غَيْرِي فَقَلِيلٌ كَثِيرُهُ، وَإِنَّ أَصْلَحَ أَيَّامِكَ الَّذِي هُوَ أَمَامَكَ فَانْظُرْ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ فَأَعِدَّ لَهُ الْجَوَابَ؛ فَإِنَّكَ مَوْقُوفٌ ۳ وَمَسْئُولٌ، وَخُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنَ الدَّهْرِ وَأَهْلِهِ؛ فَإِنَّ الدَّهْرَ طَوِيلُهُ قَصِيرٌ، وَقَصِيرُهُ طَوِيلٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَانٍ، فَاعْمَلْ كَأَنَّكَ تَرى ثَوَابَ عَمَلِكَ؛ لِكَيْ يَكُونَ أَطْمَعَ لَكَ فِي الآْخِرَةِ لَا مَحَالَةَ ؛ فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا وَلّى مِنْهَا، وَكُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ عَلى بَصِيرَةٍ وَمِثَالٍ، فَكُنْ مُرْتَاداً لِنَفْسِكَ .
يَا ابْنَ عِمْرَانَ، لَعَلَّكَ تَفُوزُ غَداً يَوْمَ السُّؤَالِ، فَهُنَالِك يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ.
يَا مُوسى، أَلْقِ كَفَّيْكَ ذُلاًّ بَيْنَ يَدَيَّ كَفِعْلِ الْعَبْدِ الْمُسْتَصْرِخِ إِلى سَيِّدِهِ؛ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ رُحِمْتَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الْقَادِرِينَ.
يَا مُوسى، سَلْنِي مِنْ فَضْلِي وَرَحْمَتِي؛ فَإِنَّهُمَا بِيَدِي لَا يَمْلِكُهُمَا أَحَدٌ غَيْرِي، وَانْظُرْ حِينَ تَسْأَلُنِي كَيْفَ رَغْبَتَكَ فِيمَا عِنْدِي لِكُلِّ عَامِلٍ جَزَاءٌ، وَقَدْ يُجْزَى الْكَفُورُ بِمَا سَعى.
يَا مُوسى، طِبْ نَفْساً عَنِ الدُّنْيَا، وَانْطَوِ عَنْهَا؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ، وَلَسْتَ لَهَا مَا لَكَ وَلِدَارِ الظَّالِمِينَ إِلَا لِعَامِلٍ فِيهَا بِالْخَيْرِ؛ فَإِنَّهَا لَهُ نِعْمَ الدَّارُ.
يَا مُوسى، مَا آمُرُكَ بِهِ فَاسْمَعْ، وَمَهْمَا أَرَاهُ فَاصْنَعْ، خُذْ حَقَائِقَ التَّوْرَاةِ [إِلى صَدْرِكَ] وَتَيَقَّظْ بِهَا فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَا تُمَكِّنْ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا مِنْ صَدْرِكَ فَيَجْعَلُونَهُ وَكْراً كَوَكْرِ الطَّيْرِ.
يَا مُوسى، أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا فِتَنٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَكُلٌّ مُزَيَّنٌ لَهُ مَا هُوَ فِيهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ زُيِّنَتْ لَهُ

1.في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها وشرح المازندراني والوافي والبحار ، ج ۷۷ ، ص ۳۶ : «لاقيك» .

2.في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها : - «على اليقين» .

3.في الحاشية عن بعض النسخ: + «به».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110095
صفحه از 630
پرینت  ارسال به