433
البضاعة المزجاة المجلد الأول

هنا لازمها، وهو الإكرام والإنعام .
ويحتمل أن يكون من باب التمثيل .
وفي بعض النسخ: «لمسرّتي» باللام، وهو أظهر ، وسيجيء مثله في حديث عيسى عليه السلام .
وفي قوله تعالى : (فإنّ مسرّتي أن اُطاع فلا اُعصى) إشارة إلى ما ذكرناه من عدم إرادة المعنى الحقيقي من المسرّة بالنسبة إلى جناب قدسه تعالى وتقدّس .
(وأمت قلبك بالخشية) .
القلب: الفؤاد ، ولعلّ إماتته إزالة أمانيه ومشتهياته الحاصلة من وساوس الشيطان ودواعي النفس الأمّارة إلى الفساد والطغيان ، وإماتته من هذه الجهة توجب له حياةً أبديّة بخلوص الإيمان والطاعة.
والمراد بالخشية الخوف الحاصل له من ملاحظة عظمة الربّ وقهّاريّته ، ومهانة نفسه وذلّه وهوانه، وعدم استطاعته بالفرار والخروج عن ملكه تعالى وسلطانه، وتلك الملاحظة على جهة الإيقان والإتقان أشدّ جاذب إلى سلوك سبيل الطاعة والهرب من المعصية؛ فإنّ الخائف من شيء هارب منه إلى ضدّه .
(وكُنْ خَلَق الثياب) .
قال الجوهري : «مِلحَفةٌ خَلَقٌ ؛ أي بال ، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث؛ لأنّه في الأصل مصدر الأخْلَق، وهو الأملس» . ۱
وفي القاموس: «خلق الثوب ـ كنصر وسمع وكرم ـ خُلُوقة وخَلَقاً، محرّكة: بَلِيَ ، والخَلَقُ محرّكة: البالي، للمذكّر والمؤنّث، الجمع خُلقان» . ۲
والإضافة فيه من قبيل جرد قطيفة، وإخلاق ثياب.
وكذا في قوله : (جديد القلب) ؛ بتطهيره عن الرذائل، وتزيينه بالفضائل، والانتباه عن نومة الغافلين الذين يجعلون ثيابهم جديدة نفيسة، وقلوبهم بالية كثيفة .
(تُخفى على أهل الأرض) .
الظاهر أنّه على بناء المجرّد المعلوم، أو المزيد المجهول ، حال عن اسم «كُن»، وأنّه ناظر إلى كونه خلق الثياب .

1.الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۴۷۲ (خلق) .

2.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۲۲۸ (خلق) مع التلخيص .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
432

ثِقَلُهُ وَلَا حَمْلُهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُكَ أَنْ تَدْعُوَنِي فَأُجِيبَكَ، وَأَنْ تَسْأَلَنِي فَأُعْطِيَكَ، وَأَنْ تَتَقَرَّبَ إِلَيَّ بِمَا مِنِّي أَخَذْتَ تَأْوِيلَهُ، وَعَلَيَّ تَمَامُ تَنْزِيلِهِ.
يَا مُوسَى انْظُرْ إِلَى الْأَ رْضِ؛ فَإِنَّهَا عَنْ قَرِيبٍ قَبْرُكَ، وَارْفَعْ عَيْنَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ؛ فَإِنَّ فَوْقَكَ فِيهَا مَلِكاً عَظِيماً، وَابْكِ عَلى نَفْسِك مَا دُمْتَ ۱ فِي الدُّنْيَا، وَتَخَوَّفِ الْعَطَبَ وَالْمَهَالِكَ، وَلَا تَغُرَّنَّكَ زِينَةُ الدُّنْيَا وَزَهْرَتُهَا، وَلَا تَرْضَ بِالظُّلْمِ، وَلَا تَكُنْ ظَالِماً؛ فَإِنِّي لِلظَّالِمِ رَصِيدٌ حَتّى أُدِيلَ مِنْهُ الْمَظْلُومَ.
يَا مُوسى، إِنَّ الْحَسَنَةَ عَشَرَةُ أَضْعَافٍ، وَمِنَ السَّيِّئَةِ الْوَاحِدَةِ الْهَلَاكُ، لَا تُشْرِكْ بِي، لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُشْرِكَ بِي، قَارِبْ، وَسَدِّدْ، وَادْعُ دُعَاءَ الطَّامِعِ الرَّاغِبِ فِيمَا عِنْدِي، النَّادِمِ عَلى مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ؛ فَإِنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ يَمْحُوهُ النَّهَارُ، وَكَذلِكَ السَّيِّئَةُ تَمْحُوهَا الْحَسَنَةُ، وَعَشْوَةُ اللَّيْلِ تَأْتِي عَلى ضَوْءِ النَّهَارِ، وَكذلِكَ السَّيِّئَةُ تَأْتِي عَلَى الْحَسَنَةِ الْجَلِيلَةِ، فَتُسَوِّدُهَا».

شرح

السند مجهول.
قوله : (ناجاه اللّه ) أي سارّه .
(يا موسى، لا يطوّل) بفتح الواو، من التطويل.
وفي بعض النسخ: «لا تطوّل» بالتاء وكسر الواو، وهو أظهر .
(في الدنيا أملك، فيقسوا لذلك قلبك) .
قال الفيروزآبادي : «الأمل، كجبل ونجم وشبر: الرجاء» ۲ . وقال : «قسا قلبه قسواً وقساوةً وقساءً: غلظ، وصلب» . ۳
(يا موسى، كُن كمسرّتي فيك) .
قال الجوهري : «السرور: خلاف الحزن ، وسرّه مَسرّة، فَسُرَّ هو» . ۴
وكان المعنى كُن على حال أكون مسروراً بها، وكما اُريد منك فكأنّك تكون مسرّتي، ونسبة المسرّة وأمثالها إليه سبحانه باعتبار الغايات ، والحاصل أنّه تعالى أمره أن يكون ملزوماً لفعل الطاعة وترك المعصية ، كما أنّ المسرّة بالنسبة إليه تعالى ملزومة لهما، لكن اُريد

1.في الحاشية عن بعض النسخ: «ما كنت».

2.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۳۳۰ (أمل) .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۷۸ (قسو) .

4.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۶۸۲ (سرر) مع اختلاف يسير .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108543
صفحه از 630
پرینت  ارسال به