455
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وكونه كافياً في الوعظ ۱ ؛ لاشتماله على النصائح والمواعظ .
(ومنيراً) أي ذا نور وضياء بنفسه، أو منوّراً ومُظهراً لغيره .
وفي وصف المشار إليه بالإنارة تشبيه له بالسِّراج باعتبار ما يقتبس منه من العلوم النافعة والحِكَم البالغة .
(وهو كلام ربّ العالمين) .
الضمير للمشار إليه ، والجملة حاليّة . ويحتمل الاستئناف على أن تكون بمنزلة التعليل للسابق ؛ لأنّ وصف ربوبيّته يقتضي أن يكون كلامه المنزل لإصلاح المربوبين، مشتملاً على جميع ما يحتاجون إليه، كافياً لوعظ قلوبهم، وتنوير صدورهم .
(يا موسى، متى ما دعوتني) لمهمّاتك كلّها، أو لغفران ذنوبك.
(ورجوتني) لها .
وعلى الأوّل حذف مفعول الفعلين للدلالة على التعميم ؛ ففيه وعد للداعي والراجي بعد حصول مرجوّه ومطلوبه بغفران ذنوبه ، والثاني أنسب بقوله : (فإنّي سأغفر لك على ما كان منك) أي ما صدر منك من التقصير.
وإنّما قلنا: إنّ الثاني أنسب به؛ لأنّ الظاهر أنّ «متى» شرطيّة، وكلمة «ما» زائدة، والجملة المصدّرة بالفاء جزائيّة ، فتدبّر .
(السماء تُسبّح لي) .
قيل: أي تنقاد، أو تذلّ ۲ ، وأصل التسبيح: التنزيه .
(وَجَلاً) بالتحريك، أي خوفاً من عظمتي وجلالي ، أو المراد أهل السماء .
وقوله : (والملائكة) مبتدأ ، و(من مخافتي مشفقون) خبره، والجارّ متعلّق بما بعده . يُقال : خاف يخاف خوفاً ومخافةً، إذا فزع ، والخواف أيضاً: القَتْل . قيل : ومنه: فإذا جاء الخوف ويجيء، بمعنى العلم . قيل : ومنه قوله تعالى : «وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزا»۳ ، وقوله : «فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفا» . ۴

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۹۶ .

2.النساء (۴) : ۱۲۸ .

3.البقرة (۲) : ۱۸۲ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
454

غيره أيضاً أو غيره وحده فهو حبل غيره، لا حبله، ولا ما اتّصل به حبله، فليس سبباً للوصول إليه ، فلذلك فرّع عليه طلب العبادة الخالصة بقوله : (فاعبدني) لا غيري ؛ لا بالاشتراك، ولا بالانفراد . ۱
(وقم بين يديّ مقام العبد الفقير) . ۲
في بعض النسخ: «الحقير» . قال الجوهري :
المَقام والمُقام فقد يكون كلّ واحدٍ منهما بمعنى الإقامة ، وقد يكون بمعنى موضع القيام؛ لأنّك إذا جعلته مِن قام يَقوم فمفتوح، وإن جعلته من أقام يُقيم فمضموم ؛ لأنّ الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم ، وقوله تعالى : «لَا مَقَامَ لَكُمْ»۳ ؛ أي لا موضِعَ لكم ، وقرئ: «لا مُقام لكم» بالضمّ ؛ أي لا إقامة لكم . انتهى . ۴
وبهذا يظهر لك فساد ما قيل: إنّ المُقام ـ بضمّ الميم ـ مصدر ميمي، وفتحها على أنّه اسم مكان، بعيد . ۵
(ذمّ نفسك) على ما صدر منها ممّا لا ينبغي (فهي أولى بالذمّ) ممّن يستحقّ الذمّ كالشيطان؛ فإنّه لا حجّة له في دعوته، إنّما يدعوك بالأماني الكاذبة الموهومة ، فتتبعه نفسك الأمّارة بالسوء ؛ أ لا ترى إلى قوله: «فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ»۶ الآية .
وفيه ترغيب على عدم الاغترار بغرور النفس الأمّارة، وجعلها مؤتمرة مقهورة للنفس اللوّامة .
(ولا تتطاول بكتابي على بني إسرائيل) .
التطاول: الامتداد والارتفاع ، والظاهر أنّ المراد بالكتاب التوراة ؛ أي لا تترفّع عليهم بالعلم بكتابي أو بتعظيمه؛ فإنّ ذلك وإن كان موجباً لعلوّ الدرجة ورفع المنزلة، لكن الاستطالة والترفّع به يؤدّي إلى سقوطها وانحطاطها .
(فكفى بهذا واعظاً لقلبك) .
الظاهر أنّ هذا إشارة إلى جميع ما ذكر من المواعظ والحِكَم . وقيل : إشارة إلى الكتاب ،

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۰ و۳۲۱ .

2.في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «الحقير الفقير» .

3.الأحزاب (۳۳) : ۱۳ .

4.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۲۰۱۷ (قوم) .

5.قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۱ .

6.إبراهيم (۱۴): ۲۲.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108709
صفحه از 630
پرینت  ارسال به