459
البضاعة المزجاة المجلد الأول

(ولها عندي سلطان في معاد الآخرة) .
لعلّ المراد أنّ للرحم عندي حجّة وبرهان مقبولة، وسلطنة في قبول شفاعتها، وهي طلب الوصل منه تعالى لمَن وصلها، وطلب القطع لمن قطعها .
وقد ورد في الأخبار : «أنّ الرحم معلّقة يوم القيامة بالعرش تقول: اللّهُمَّ صِل مَن وصلني، واقطع مَن قطعني» . ۱
(وأنا قاطع مَن قطعها، وواصل مَن وصلها) .
قيل : لعلّ المراد بوصله تعالى مَنْ وصلها رحمته لهم، وعطفه عليهم بنعمِهِ الدائمة الباقية، أو وصلُهم بأهل ملكوته والرفيق الأعلى، أو قربه منهم وشرح صدورهم لمشاهدة عظمته، أو جميع أنواع الإكرام والإفضال . ۲
(وكذلك أفعل بمن ۳ ضيّع أمري) أي كلّ أمر من الأوامر التكليفي والاُمور التكويني؛ فإنّ من ضيّع الغرض من التكليف والغاية من التكوين بالعصيان استوجب القطع والحرمان ، وحاصل المعنى أنّي أجعل لأمري سلطاناً في المعاد، واُضيّع مَن ضيّعه .
وقوله : (بردٍّ جميل، أو إعطاء يسير) أي بأن تعطيه وإن كان قليلاً ، وقد روي : «لا تستحي من إعطاء القليل؛ فإنّ الحرمان أقلّ منه» . ۴
وقيل : أي إعطاء فيه يُسر وسهولة لا يكون فيه منّ ولا أذًى ، أو المراد أعطه القليل إن لم تقدر على الكثير، فيكون اقتصارا على الفردين الأخفيين من الإكرام ليدُلّ على الأجلى بالطريق الأولى . ۵
وقوله : (كيف مُواساتك فيما خَوّلتك) .
قال الجزري : «المواساة: المشاركة، والمساهمة في الرزق والمعاش ». ۶
وقال : «التخويل: التمليك» . ۷

1.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۱۲۸ .

2.الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۵۱ ، باب صلة الرحم ، ح ۱۰. وعنه في بحار الأنوار ، ج ۷۱ ، ص ۱۱۷ ، ح ۷۹ .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۴ .

4.في الحاشية عن بعض النسخ: «لمن».

5.نهج البلاغة ، ج ۴ ، ص ۱۵ ، الكلمة ۶۷ ؛ روضة الواعظين ، ص ۳۸۴ ؛ عيون الحكم والمواعظ ، ص ۵۲۸ ؛ مشكاة الأنوار ، ص ۴۰۸ .

6.النهاية ، ج ۱ ، ص ۵۰ (أسأ) .

7.النهاية ، ج ۲ ، ص ۸۸ (خول) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
458

ويحتمل التعميم فيما ذكر.
و«صلة الأرحام» بالنصب، مفعول «اقرن» .
قال الجوهري : «الرَّحِم: رَحِم الاُنثى، وهي مؤنّثة. والرَّحم أيضاً : القرابة، والرَّحِم مثله» . ۱
وفي القاموس: «الرحم، بالكسر وككتف: بيت منبت الولد ووعاؤه، والقرابة، أو أصلها وأسبابها، الجمع: أرحام» ۲ انتهى .
وقال بعض العلماء :
المراد بالرحم قرابة الرحم من جهة طرفيه آبائه وإن علوا ، وأبنائه وإن سفلوا، وما يتّصل بالطرفين من العمّة والعمّات والخالة والخالات والإخوة وأولادهم ، والظاهر لا خلاف في وجوب صلتها في الجملة ؛ لدلالة ظاهر الآيات والروايات على العقوبة بتركها وذمّ تاركها ، ولها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض، وأدناها السلام والكلام وترك المهاجرة . ۳
قيل : وتختلف أيضاً باختلاف القدرة عليها، والحاجة إليها، فمن الصلة ما يجب، ومنها ما يستحبّ، ومن وصل بعض الصِّلة ولا يبلغ أقصاها هل هو واصل أو قاطع؟! فيه تأمّل . ۴
(فإنّي أنا اللّه الرحمن الرحيم) .
قيل : أشار بالجلالة إلى ذاته المقدّسة الملحوظة معها الاُلوهيّة المقتضية لانقياد كلّ شيء له فيما يريد ويكره للترغيب فيه ، وبالرحمان الرحيم إلى اتّصافه بالرحمة الكاملة التي وسعت كلّ شيء .
ثمّ أشار إلى أنّه خلق الرحم من رحمته للتوالد والتناسل فضلاً على العباد وإحساناً إليهم؛ ليتعاطف بعضهم بعضاً، ولم يخلق كلّ واحد من التراب كما خلق آدم عليه السلام منه ؛ لأنّ الأوّل أقوى وأدخل في التعاطف ، فلابدّ من اتّصاف الرحم بالرحمة، لئلّا ينقطع نظامهم، ولا يفوت الغرض من خلقها ، فقال : (والرحم أنا خلقتها فضلاً من رحمتي ليتعاطف بها العباد). ۵
الظاهر أنّ الرحم ـ ككتف ـ مبتدأ ، وجملة «أنا خلقتها» خبر، وكون الرحم ـ بالفتح ـ بمعنى الرحمة يأباه تأنيث الضمير العائد إليه .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۳ .

2.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۹۲۹ (رحم) مع اختلاف يسير .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۱۸ (رحم) .

4.راجع : شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۳ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108685
صفحه از 630
پرینت  ارسال به