461
البضاعة المزجاة المجلد الأول

والشقاء، بالفتح، ويكسر، وبالمدّ، ويقصّر: الشدّة، والعسر، وخلاف السعادة .
وقيل : السرّ فيه أنّ بواعث الطاعة والمعصية موجودة فيهم، وموانع الاُولى قويّة، فلذلك صاروا معركة للمجاهدة الكبرى ، وابتلوا بالمعصية العمياء؛ فإن نجوا من هذه البليّات صاروا من أشرف المخلوقات . ۱
(أنا الرحمن الرحيم، رحمان كلّ زمان) تحريك وتحريص على الرجوع إليه في المهمّات كلّها، لا إلى غيره.
وقس عليه قوله : (آتي بالشدّة بعد الرخاء، وبالرخاء بعد الشدّة، وبالملوك بعد الملوك).
الرخاء، بالفتح: سعة العيش ، وهذا من آثار رحمته تعالى؛ إذ لولا الشدّة بعد الرخاء حصلت الغفلة والاغترار ، ولو لا الرخاء بعد الشدّة حصل اليأس والقنوط ، ولو لا موت الملوك ادّعوا الاُلوهيّة، ولا يبالون بالظلم كائناً ما كان .
(وملكي قائم دائم) .
ملكه تعالى، بالضمّ: سلطنته، وكمال اقتداره على الممكنات، وهو ثابت له تعالى قبل وجود الأشياء وبعد فنائها ، والمراد بقيامه عدم عروض الاضطراب والتغيّر فيه بوجه .
وقيل : هذا غير مستفاد من دوامه؛ إذ دوام الشيء لا ينافي وقوع التغيّر فيه في الجملة . ۲
وقوله : (لا يزول) ؛ إمّا حال عن الدائم والقائم على التنازع، أو خبر ثالث للملك ، والنكتة في العدول إلى الفعل إفادة الاستمرار بلا انقطاع وزوال .
(وكيف يَخفى عليّ ما منّي مبتدؤه) ؛ إذ يحكم العقل بديهيّة أنّ كلّ خالق شيء عالم به وبخواصّه وآثاره وأحكامه وتنزيله، وأنّ ما ذهب إليه الفلاسفة من أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول بعيد .
(وكيف لا يكون همّك فيما عندي) من الدرجات الرفيعة، والمثوبات الاُخرويّة .
(وإليّ ترجع لا محالة) .
الواو للحال . وفي القاموس: «لا محالة، بالفتح: لابدّ» . ۳

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۶ .

2.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۳۶۳ (حول) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
460

(واخشع لي بالتضرّع) .
الباء للمصاحبة، أو للملابسة، والظرف حال عن الفاعل .
ويحتمل أن يراد بالخشوع سكون القلب والجوارح، واشتغال كلّ منهما بما طلب منه، وعدم التسرّع إلى خلافه ، وبالتضرّع إظهار الذلّ والمسكنة إليه تعالى باللِّسان .
(واهتف [لي] بولولة الكتاب) .
في النهاية: «الولولة: صوت متتابع بالويل والاستغاثة ، وقيل : هي حكاية صوت النائحة» . ۱
وفي القاموس: «الكتاب: ما يكتب فيه، والتوراة، والصحيفة ، والكُتّاب، كرمّان: الكاتبون، والمكتب، كمقعد: موضع التعليم» . ۲
وقال الجوهري : «الكتاب والمكتَب واحد» انتهى . ۳
وقيل : لعلّه اُشير بالولولة إلى ما في التوارة من الويل . ۴
(واعلم أنّي أدعوك) في الدنيا إلى ما فيه صلاحك، أو في الآخرة إلى الحساب والثواب، أو فيهما (دعاء السيّد مملوكه) الذي يريد أن يكرمه .
(ليبلغ به شرف المنازل) العالية .
والضمير المجرور راجع إلى الدعاء إن قرئ «لتبلغ» على صيغة الخطاب، وإلى المملوك إن قرئ على صيغة الغيبة.
والباء على الأوّل للسببيّة، وعلى الثاني للتعدية .
وفيه ترغيب له على قبول دعائه تعالى، وإجابة ندائه .
وقوله : (وذلك من فضلي) إشارة إلى الدعاء مع الغاية المترتّبة عليه .
وقوله : (الأرض مطيعة، والسماء مطيعة، والبحار مطيعة) أي لا يصدر منها المخالفة والعصيان أصلاً .
وأراد بطاعتها استسلامها في كلّ ما هو الغرض الأصلي من إيجادها، بخلاف الثقلين؛ فإنّهم يعصون اللّه في كثير ممّا أراد منهم، كما أشار إليه بقوله : (وعصياني شقاء الثقلين) أي الجنّ والإنس .

1.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۱۲۸ .

2.النهاية ، ج ۵ ، ص ۲۲۶ (ولول) .

3.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۲۱ (كتب) .

4.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۲۰۹ (كتب) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108670
صفحه از 630
پرینت  ارسال به