463
البضاعة المزجاة المجلد الأول

(في منزلة) . قيل : أي في عبادة واحدة، وهي تقريب القربان، وكانا بحسب الظاهر في درجة ومنزلة واحدة . ۱
وقيل : لعلّ المراد بها منزلة الكرامة والشرف والقرب . ۲
(ليَنالا بها) أي بتلك المنزلة (من فضلي ورحمتي، فقرّبا قُرباناً).
روي أنّه كان قربان هابيل كَبْشاً من أفضل أفراد غنمه، فقبل بنزول النار فأكلها له ، وقربان هابيل من أخسّ أفراد زرعته فلم يتقبّل ۳ .
والمراد بالقربان هنا ما يتقرّب به إلى اللّه تعالى من الذبيحة وغيرها ، وهو في الأصل مصدر ، ولذلك لم يثنّ مع أنّ المراد منه اثنان .
وقيل: تقديره: فقرّب كلّ واحدٍ منهما قرباناً، فلا يحتاج إلى التثنية . ۴
(ولا أقبل إلّا من المتّقين) .
فعدم قبول قربان قابيل لتركه التقوى .
(فكان من شأنهما ما قد علمت) من قتل أحدهما الآخر حسداً عليه.
(فكيف تثق بالصاحب بعد الأخ) أي بعد عدم وثوقك بالأخ، وظهور الخيانة منه كما عرفت .
(والوزير) عطف على الأخ، أو على الصاحب. والوزير وزير الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه ؛ أي لم تكن تثق بالأخ مع كمال قربه منك، وحمل الثقل عنك ، فكيف تثق بغيره؟!
وفيه مبالغة في الحزم؛ لكثرة أهل الحسد .
وقال بعض الأفاضل في شرح هذا الكلام :
قوله : «فكيف تثق بالصاحب»؛ يعني إذا قتل أحد الأخوين الآخر حسداً له بسبب قبول قربانه، فكيف يجوز الوثوق بالصاحب لمن حصل له الاطّلاع على ذلك ، ولمّا كان هذا الكلام مُوهِماً للنهي عن وثوقه على هارون أيضاً ؛ استدرك ذلك بقوله : «بعد الأخ والوزير» ؛ يعني أنّ هارون عليه السلام صالح لأن تثق به وذلك؛ لأنّه كان نبيّاً مرسلاً . انتهى . ۵
ولا يخفى عليك بعد هذا التوجيه غاية البُعد .

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۹۸ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۸ .

3.راجع : تفسير العيّاشي ، ص ۳۰۹، ح ۷۸ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۲۳ ، ص ۶۳ ، ح ۳ .

4.راجع : شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۸ .

5.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۱۲۹ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
462

(يا موسى، اجعلني حرزك) .
الحرز، بالكسر: الموضع الحصين، والعوذة . قيل : أي اجعلني ملجأك الدافع عنك البليّات بالدعاء والتوسّل قبل نزولها وبعده . ۱
(وضع عندي كنزك من الصالحات) .
الكنز: المال المدفون، والذهب، والفضّة، وما يحوز به المال، وكلّ شيء غَمْرتَهُ في وعاء أو أرض فقد كنزته .
والصالح: ضدّ الفاسد . و«من» بيان للكنز ، والمراد بالصالحات الأعمال الصحيحة على قانون الشرع، أو ما يعمّ العقائد الحقّة .
(وخفني، ولا تخف غيري، إليّ المصير) .
الخوف من عقوبة اللّه تعالى يقتضي الفرار من أسبابها ؛ لأنّ الخائف من الشيء يفرّ منه وممّا يُفضي إليه .
(يا موسى، ارحم من هو أسفل منك) بالإحسان والتلطّف ، والإرشاد إلى مصالحه الدينيّة والدنيويّة ، وعدم التكبّر والاستطالة .
(في الخلق) .
الخلق، بالفتح: الفِطرة، والخِلقة ، وبالضمّ وبضمّتين: السجيّة، والطبع، والمروّة، والدين .
(ولا تحسد من هو فوقك) في المال والكمال .
(فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) ؛ تنبيه للمعقول بالمحسوس بقصد الإيضاح .
(يا موسى، إنّ ابني آدم): هابيل وقابيل (تواضعا) .
قيل: هو من المواضعة، وهي المواقفة . يُقال : واضعته في الأمر، إذا واقفته فيه على شيء، لا من التواضع بمعنى التخاشع والتذلّل؛ لعدم تحقّق هذا المعنى في أحدهما وهو قابيل . ۲
أقول : الظاهر أنّ المراد بتواضعهما تذلّلهما ظاهراً حيث امتثلا بالأمر بتقريب القربان ، وهذا القدر كاف في التواضع ، وأمّا التواضع بمعنى المواضعة فلم أرَ أحداً ينقله سوى هذا القائل .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۷ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108668
صفحه از 630
پرینت  ارسال به