465
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وكرم، والمراد بالتأنّي في المكث فيها السكينة والوقار وعدم التسرّع والاستعجال والتأمّل والإتقان في فعلها.
(ولا ترجُ غيري) إلى قوله: (لمُلمّات الاُمور) .
الجُنّة، بالضمّ: ما استترت به من سلاح، والجنّة أيضاً: السترة . والحصن بالكسر: كلّ موضع حصين لا يبلغ إلى جوفه. والاُمور المهمّة: النازلة من نوازل الدنيا وشدائد الثقيلة، واتّخاذه تعالى جُنّة للشدائد عبارة عن التوجّه إليه عند نزولها وظهور علاماتها، أو قبله أيضاً.
وفيه حثّ على التوسّل إليه تعالى بالدعاء والتضرّع ونحوهما في جميع الأحوال.
(يا موسى، كيف تخشع) بالتخفيف، أو بالتشديد.
(لي خليقة لا تعرف) تلك الخليقة.
(فضلي عليها) أي على نفسها.
قال الفيروزآبادي: «الخشوع: الخضوع، أو هو في البدن، والخشوع في الصوت والبصر، والسكون، والتذلّل. وتخشّع: تضرّع». ۱
قال الجوهري: «التخشّع: تكلّف الخشوع». ۲
والمراد بالخليقة : الناس، وبالفضل : النعمة والإحسان.
وقيل: نعم اللّه ظاهرة وباطنة، والباطنة ما يكمل به كلّ شخص، ويتمّ مائيّته كالقوى والجوارح والأعضاء، والظاهرة منها ما يتوقّف عليه كمال نفسه الناطقة من الأخلاق والأعمال والأوامر والنواهي وإرسال الرسل وإنزال الكتب وغيرها ممّا نطق به لسان الشرع.
إذا عرفت هذا، فنقول: تخشّع الناس وتذلّلهم للّه تعالى متوقّف على التصديق بفضله عليهم بالضرورة؛ إذ لا يتخشّع أحد لمن لا فضل له عليه، ولا حاجة له إليه، ولهذا نفى التخشّع عمّن لم يكن له هذه المعرفة والتصديق، ثمّ إنّ هذا التصديق متوقّف على تصوّر المحكوم به، وهو الفضل، وهذا التصوّر متوقّف على الإيمان بالفضل والإقرار بوجوده، وهذا الإقرار متوقّف على الرجاء بالثواب اللازم للفضل، وهذا الرجاء متوقّف على رفض

1.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۱۸ (خشع) .

2.الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۲۰۴ (خشع) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
464

(يا موسى، ضَع الكِبر، ودَع الفخر) .
قيل : الكِبر رذيلة تحت الفجور مقابل التواضع، وهو أن يعتقد الإنسان أنّه أعظم من الغير، بأن يرى لنفسه مرتبة من الكمال والمال والنسب والحسب وللغير مرتبة ، ثمّ يعتقد أنّ مرتبته فوق مرتبة ذلك الغير، ويوجب ذلك تعظّماً وركوناً إلى ما اعتقد من كماله وشرفه على الغير، ولو حصل لها هذه الاُمور مع قطع النظر عن الغير كان ذلك عُجباً .
والفخر: التمدّح بالخصال، وإظهار السرور بالفضائل ونحوها، والركون إليها لا من جهة إضافتها إلى اللّه تعالى باعتبار أنّها منه ومن جلائل نعمه عليه ، وأمّا لو ذكرها ونسبها إليه تعالى لإظهار شكره فليس ذلك بفخر، ولذلك قال صلى الله عليه و آله : «أنا سيّد أولاد آدم ولا فخر» ۱ . ۲
(واذكر أنّك ساكن القبر) في الحال على الظاهر، ووجه الظهور التبادر، وما قيل: إنّ اسم الفاعل في الاستقبال مجاز ۳ ، وإرادة الاستقبال ممكن .
وفيه إيماء إلى قوله عليه السلام : «موتوا قبل أن تموتوا» . ۴
(فليمنعك ذلك) المذكور من ترك الكبر وما عطف عليه .
(من الشهوات) النفسانيّة . وأصل الشهوة محبّة الشيء والرغبة فيه .
(يا موسى، عجّل التوبة، وأخّر الذّنب) .
تعجيل التوبة ـ وهو المسارعة إليها، أو عدم التسويف بها ـ واجب فوريّ ، ومن لوازم الإيمان ، كما يفهم من كثير من الأخبار على أنّه إزالة سواد الذنب قبل صيرورته مَلَكة للنفس في كمال السهولة، مع إمكان بغتة الموت قبلها ، وهو موجب للحسرة والندامة، وتأخير الذنب وعدم المبادرة إليه أيضاً من شرائط كمال الإيمان ، فلعلّ اللّه يحول بينك وبينه بلطفه وتوفيقه، ولا يبعد أن يراد بتأخيره عدم ارتكابه أصلاً.
(وتأنّ في المكث بين يديّ في الصلاة) .
التأنّي: التثبّت، والترفّق، والتأخّر، والتنظّر . والمكث مثلّثاً ويحرّك: اللبث، وفعله كنصر

1.لم نعثر على الخبر في موضع.

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۹ .

3.راجع : بحار الأنوار ، ج ۶۶ ، ص ۳۱۷ ؛ وج ۶۹ ، ص ۵۷ ؛ تحفة الأحوذي ، ج ۶ ، ص ۵۱۵ ؛ كشف الخفاء للعجلوني ، ج۲ ، ص ۲۹۱ ، ح ۲۶۶۹ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108653
صفحه از 630
پرینت  ارسال به