ولما كان طيب النفس والسرور بالإعراض عن الدنيا والانطواء عنها غاية الزهد فيها، أمره عليه السلام بهما، وعلّل الأمرين بقوله: (فإنّها ليست لك ولستَ لها)؛ فإنّها باعتبار ما فيها من الزهرات واللذّات يليق بالفاسقين، وليس فيها نصيب لأهل أعلى علّيّين.
(ما لك ولدار الظالمين) ؛ يعني الدنيا، والمراد بالظالمين الذين ظلموا أنفسهم وأهليهم بالغرور بها والركون إليها، وفيه تحذير عنها على سبيل الإنكار والتوبيخ في الاشتغال بشهواتها.
ثمّ أشار إلى أنّها ليست مذمومة من جميع الوجوه بقوله: (إلّا لعامل فيها بالخير ؛ فإنّها له نعم الدار)، فهي ممدوحة بهذا الاعتبار، والظاهر أنّ هذا الاستثناء منقطع.
وقيل: يمكن صرفه إلى الاتّصال بأن يكون المراد بالظالم العامل بالظلم، فهو من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالظلم يصدق على العامل ۱ . فليتأمّل.
وقوله: (فاسمع) أي سماع انقياد بحمل نفسك على الامتثال.
(ومَهما أراه فاصنع) .
الضمير للموصول، والرؤية بمعنى العلم ، والمفعول الثاني محذوف؛ أي مهما أرى الذي آمرك به خيراً لك فاصنع ، وكون الرؤية بمعني الإبصار محتمل بعيد.
وقال بعض الأعلام في شرح هذا الكلام: أي اصنعه بمشهد منّي عالماً بأنّي أراك. قال: ونظيره قول نبيّنا صلى الله عليه و آله : «الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك». ۲
وقيل: أي بكلّ وقت أرى وأعلم ما آمرك حسنا فافعل فيه؛ يعنى افعل الأوامر في أوقاتها التي أمرتك بأدائها فيها. أو المراد: افعلها في كلّ وقت؛ فإنّي أراه في كلّ حين. ۳
(خذ حقائق التوراة) لعلّها الاُمور الحقيقيّة الواقعيّة المخزونة فيها.
وقيل: أي المعاني الأوّليّة وما فوقها، والأسرار الإلهيّة والنصائح والمواعظ الربّانيّة المذكورة فيها . ۴
1.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۱۲۹ .
2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۳۵ .
3.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۰۱ .