473
البضاعة المزجاة المجلد الأول

ولما كان طيب النفس والسرور بالإعراض عن الدنيا والانطواء عنها غاية الزهد فيها، أمره عليه السلام بهما، وعلّل الأمرين بقوله: (فإنّها ليست لك ولستَ لها)؛ فإنّها باعتبار ما فيها من الزهرات واللذّات يليق بالفاسقين، وليس فيها نصيب لأهل أعلى علّيّين.
(ما لك ولدار الظالمين) ؛ يعني الدنيا، والمراد بالظالمين الذين ظلموا أنفسهم وأهليهم بالغرور بها والركون إليها، وفيه تحذير عنها على سبيل الإنكار والتوبيخ في الاشتغال بشهواتها.
ثمّ أشار إلى أنّها ليست مذمومة من جميع الوجوه بقوله: (إلّا لعامل فيها بالخير ؛ فإنّها له نعم الدار)، فهي ممدوحة بهذا الاعتبار، والظاهر أنّ هذا الاستثناء منقطع.
وقيل: يمكن صرفه إلى الاتّصال بأن يكون المراد بالظالم العامل بالظلم، فهو من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالظلم يصدق على العامل ۱ . فليتأمّل.
وقوله: (فاسمع) أي سماع انقياد بحمل نفسك على الامتثال.
(ومَهما أراه فاصنع) .
الضمير للموصول، والرؤية بمعنى العلم ، والمفعول الثاني محذوف؛ أي مهما أرى الذي آمرك به خيراً لك فاصنع ، وكون الرؤية بمعني الإبصار محتمل بعيد.
وقال بعض الأعلام في شرح هذا الكلام: أي اصنعه بمشهد منّي عالماً بأنّي أراك. قال: ونظيره قول نبيّنا صلى الله عليه و آله : «الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك». ۲
وقيل: أي بكلّ وقت أرى وأعلم ما آمرك حسنا فافعل فيه؛ يعنى افعل الأوامر في أوقاتها التي أمرتك بأدائها فيها. أو المراد: افعلها في كلّ وقت؛ فإنّي أراه في كلّ حين. ۳
(خذ حقائق التوراة) لعلّها الاُمور الحقيقيّة الواقعيّة المخزونة فيها.
وقيل: أي المعاني الأوّليّة وما فوقها، والأسرار الإلهيّة والنصائح والمواعظ الربّانيّة المذكورة فيها . ۴

1.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۱۲۹ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۳۵ .

3.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۰۱ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
472

وقيل: كأنّه أمره برفع اليدين إلى السماء في القنوت والدعاء ، أو بالسجود [له] والتضرّع فيه عند ورود الحاجة . ۱
والذلّ بالضمّ : الهوان ، وبالضمّ والكسر : ضدّ الصعوبة .
وقوله: (رحمت) على صيغة الغائب المجهول، أو المتكلّم المعلوم.
وقوله: (سلني من فضلي...) .
الفضل: ضدّ النقص، ويطلق غالباً على النعم الدنيويّة ، والرحمة على المثوبات الاُخرويّة.
وقيل: المسئول إمّا الفضل والرحمة، أو بعضهما على أن تكون «من» زائدة، أو للتبعيض، أو المفعول محذوف، وهو خير الدنيا والآخرة على أن تكون للتعليل، والمقصود حثّه على صرف وجه السؤال إليه ، وفراغه عن الغير ، والاشتغال بالتضرّع بين يديه؛ فإنّه مالك الفضل والرحمة يهيّئ له أسباب مسؤوله ومغلوبه. ۲
وقوله: (كيف رغبتك فيما عندي) أي كيف رجاؤك وشوقك إلى ما تطلبه.
وهذا الكلام تقوية للرجاء ، وترغيب في حسن الظنّ به في إعطاء مسئوله ومرغوبه.
وفي بعض الروايات: «والذي لا إله إلّا هو، ما اُعطي مؤمن إلّا بحُسن ظنّه» . ۳
(لكلّ عامل جزاء) في الدارين، أو في إحداهما .
وفيه زيادة ترغيب فيما ذكر.
(وقد يُجزى الكفور بما سعى)؛ إمّا في هذه النشأة، أو في النشأة الاُخرى، بتخفيف ما عليه من العذاب، فلا ينبغي أن ييأس الكفور من رحمته، فكيف بالشكور؟!
(يا موسى، طب نفسك عن الدنيا) أي معرضاً عنها ، أو بالإعراض عنها .
(وانطو عنها) .
في القاموس: «طوى الصحيفة يطويها فانطوى، وكشحه عنّي : أعرض مهاجراً». ۴

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۳۴ .

2.راجع : الكافي ، ج ۲ ، ص ۷۱ ، باب حسن الظنّ باللّه ، ح ۲ ؛ فقه الرضا عليه السلام ، ص ۳۶۰ ؛ الاختصاص ، ص ۲۲۷ ؛ أعلام الدين ، ص ۲۵۵ و۴۵۵ .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۵۸ (طوي) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108587
صفحه از 630
پرینت  ارسال به