475
البضاعة المزجاة المجلد الأول

ونعيمها في كتبه وبألسِنَة رسله.
(فهو ينظر إليها ما يَفتر) .
كلمة «ما» نافية، والفتور: السكون بعد المدّة، واللين بعد الشدّة، والضعف، وفعله كنصر.
والمراد بالنظر البصيرة القلبيّة، والإدراك العقليّة.
(قد حالت شهوتها بينه وبين لذّة العيش) أي صارت لذّة الآخرة حائلاً بينه وبين لذّة عيش الدنيا؛ لأنّ ملاحظة فضل الآخرة على الدنيا والعلم بتفاوت ما بينهما يبعثه على العمل للآخرة ونيل مشتهياتها، ورفض لذّات عيش الدنيا.
(فأدلجته بالأسحار) .
الدَّلج ـ محرّكة ـ والدلجة بالضمّ والفتح: السير في أوّل الليل، وقد أَدْلَجُوا بالتخفيف، بأن ساروا في آخره ، فادّلجوا بالتشديد، نصّ عليه أهل اللغة.
وظاهر العبارة هنا استعماله متعدّيا بمعنى التيسير بالليل، والمعروف في كتب اللغة استعماله؛ لأنّها كما عرفت، ولعلّه هنا على الحذف والإيصال، أي أدلجت به أو معه وباعتبار تضمين معنى التصيير ، أي صيّرته شهوة الآخرة مدلجاً سائرا في آخر الليل مشتغلا بالعبادة ؛ لعلمه بأنّ تلك الشهوة لا تنال إلّا به .
(كفعل الراكب السابق ۱ ) بالباء الموحّدة.
(إلى غايته) أي خطره ومقصده؛ يعني كالراكب الذي يسابِق قرنه إلى الغاية التي يتسابقان إليها، وأصل الغاية المدى والنهاية .
وما قيل من أنّ المراد بها هنا الجنّة والفوز بالكرامة والقرب والوصال والحبّ أو الموت ۲ ، فساده يظهر بأدنى تأمّل.
وبالجملة شبّه سير ذلك المؤمن بسير الراكب السابق إلى غايته لعلمه بأنّها لا تنال إلّا به.
وقيل: يمكن أن يكون المشبّه به سير الراكب المسافر، والوجه هو الوصول إلى المطلوب والراحة والنجاة من الشدائد. ۳

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۰۲ .

2.في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله وكلتا الطبعتين : «السائق» .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۳۶ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
474

(وتيقّظ بها) أي اُترك النوم بقراءة التوراة والعمل بأحكامها، أو المراد: كن متيّقظاً متنبّهاً متذكّرا بحقائقها.
(في ساعات الليل والنهار) أي في جميع الأوقات.
(ولا تمكّن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وَكْرا كوَكر الطير) .
التمكين والإمكان بمعنى، وأبناء الدنيا: المائلون إليها، والمفتونون بزخارفها، والمنتسبون إليها، كانتساب الابن إلى أبيه.
والوَكر، بالفتح: عشّ الطائر، وإن لم يكن فيه.
وقال بعض الأفاضل:
أي لا تُخطرهم ببالك، ولا تشغل قلبك بالتفكّر فيهم وفيما هم فيه من نعم الدنيا؛ فإنّه إذا أعتدت ذلك، ومكّنت الشيطان من نفسك فيه، يصير صدرك وكراً لذكرهم، ولا يمكنك إخراج حُبّ أطوارهم من صدرك، فيصير ذلك سبباً لرغبتك إلى دنياهم، فتصير إلى مأواهم.
ويحتمل أن يكون المراد عدم الإصغاء إلى كلام المفتونين بالدنيا الذاكرين لها، فيجعلون الصدور وكرا لكلامهم الذي يوجب الافتنان بالدنيا . ۱
والحاصل أنّه تعالى نهاه عن تمكينه إيّاهم من صدوره وميل قلبه إليهم؛ لئلاّ يتصرّفوا فيه، ولا يلازموه كملازمة الطائر وكره، فينجرّ إلى تولّد حبّ الدنيا منهم.
(يا موسى، أبناء الدنيا وأهلها) الراغبون إليها (فتن) بكسر الفاء وفتح التاء، جمع فتنة، والتنوين للتعظيم.
ويحتمل كونه على صيغة الماضي المجهول.
(بعضهم لبعض، فكلّ) بالتنوين عوضاً عن المضاف إليها، أي كلّهم.
(مزيّن له ما هو فيه) من شهوات الدنيا وزخارفها زيّنها له الشيطان .
وهذا الكلام كالتأكيد لسابقه، وتنبيه على ترك مجالستهم ومخالطتهم؛ لأنّهم زينة الدنيا لمن انتسب بهم، وجلس إليهم، وذلك منشأ للفتن.
(والمؤمن من زُيّنت له الآخرة) أي صارت له مزيّنة، أو زيّنها اللّه تعالى له، وبيّن أوصافها

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۰۲ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108588
صفحه از 630
پرینت  ارسال به