483
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وقيل: الظاهر أنّ العطف للتأكيد والتفسير، وأنّ فيه حملاً وثقلاً في الجملة، إلّا أنّه لا يؤذيه لكثرة نفعه، كما أشار إليه بقوله: (إنّما سألتك أن تدعوني...)، وفيه ترغيب في الدعاء والسؤال، وفي الإتيان بالفاء التعقيبيّة المقتضية عدمَ التراخي دلالة على وقوع الإجابة سريعا. ۱
(وأن تتقّرب إليّ بما منّي أخذتَ تأويله، وعليّ تمام تنزيله) .
يقال: أوّل الكلام تأويلاً وتأوّله، إذا دبّره وقدّره ونشره، والتأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء، وفي عرف الفقهاء اللفظ المفيد المرجوح الظاهر ، وكان المراد بالتنزيل المفرد ، وهو اللفظ المفيد الذي لا يحتمل غير معناه.
ولا يبعد أن يراد بالتنزيل اللفظ، وبالتأويل المعنى.
وقيل: لعلّ الموصول عبارة عن الكتاب، وما فيه من العلوم والأسرار والأحكام، وكلّ ذلك أسباب التقرّب إليه تعالى، والمراد بتأويله بيان باطنه وباطن باطنه ولازمه ولازم لازمه وهكذا؛ إذ للكتب الإلهيّة ظهور معلومة ، وبطون مكنونة تُعلَم بتعليم ربّاني وتأويل إلهيّ، وبتمام تنزيله تنزيل كلّ ما يحتاج إليه الاُمّة من أمر الدنيا والدين. ۲
وقوله: (فإنّ فوقك فيها ملكا عظيما)؛ يحتمل أن يقرأ: «مَلِكا» بكسر اللام، وهو اللّه سبحانه، ونسبته إلى السماء؛ لأنّ ثوابه وجنّته وتقديراته وعجائب صنعه فيها.
وإن يقرأ بضمّ الميم وسكون اللام، وهو السلطان والعظمة.
وقيل: لعلّ المراد به ملكوت السماوات والأرض، وهو الذي أراه خليله عليه السلام ليكون من المؤقنين، أو الجنّة وهي موجودة الآن في السماء عند أهل الحقّ، أي ملك السماء ملك عظيم يستدلّ بها على عظمة صانعها، أو أنّه ملك ينبغي أن يكون غاية الهمّة مصروفا إلى تحصيله، والغرض منه التنفير عن الدنيا، والحثّ على العبادة، وإظهار عظمته تعالى. ۳
وقوله: (وتخوف العَطَب والمهالك). يقال: تخوّف عليه شيئاً، أي خافه. والعَطَب، بالتحريك: الهلاك، وهو الموت، والضياع.
وقيل: إنّما أمر بالتخوّف منهما؛ لأنّ الإنسان ما دام في الدنيا التي هي دار البليّة

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۴۰ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۴۱ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
482

وفي كتاب تحف العقول هكذا: «وأنا ذو الفضل العظيم، كهف الخاطئين»، وليس فيه قوله: «طوبي لك» بعد قوله: «العظيم»، فيكون «كهف الخاطئين» إلى آخر الأوصاف وصفاً له تعالى، ومن ثمّ قيل: تقدير الكلام هنا أيضا: «أنا كهف الخاطئين»، لكن في بعض نسخ الكتاب بعد قوله: «كهف الخاطئين»: «وأخو المذنبين»، فحينئذ يتعيّن كون تلك الأوصاف لموسى عليه السلام كما قلناه أوّلاً.
(إنّك منّي بالمكان الرضيّ) فَعيل بمعنى مفعول.
وقيل: المراد بالمكان مكان النبوّة والرسالة ، والقرب ، والسعادة ، ورئاسة الدارين. ۱
(فادعُني بالقلب النقيّ) بالنون، أي الخالص من الشكوك والشُّبَه، أو عن الرذائل كلّها.
وفي بعض النسخ: «التقي» بالتاء الفوقانيّة.
(واللسان الصادق)؛ هو ضدّ الكاذب. وقيل: الموافق للقلب، أو مع حضوره وفراغه عن الغير؛ إذ لو كان قلب طالب الحاجة منه غافلاً عنه ومشغولاً بالغير، عدّ كاذبا بل مستهزئا . ۲
(ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مُبتداه)، بل مبتداه وإنشاؤه منه تعالى تطوّلاً على عباده، بلا سبق استحقاق ، وقد مرّ مثله .
(وتقرّب إليّ) بالصالحات ورفع الحاجات.
قال الجوهري: «تقرّب إلى اللّه بشيء، أي طلب به القربة عنده». ۳
(فإنّي منك قريب) .
الظاهر يكون الفاء للتعليل؛ لأنّ قربه سبحانه من عباده مع استغنائه عنهم يقتضي تقرّبهم منه تعالى، مع كمال احتياجهم إليه.
وقيل: تقديم الظرف لقصد تعظيم المخاطب، ولئلاّ يقع الفصل بينه وبين اللّه تعالى، وإن كان لفظ القرب؛ لأنّه مشعر بالانفصال في الجملة. ۴
(فإنّي لم أسألك) أي لم اُكلّفك (ما يؤذيك ثِقَلُه ولا حمله) كأنّه تعليل آخر للأمر بالتقرّب، أو للدعاء والعمل المستفاد من الأمر بالتقرّب.

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۴۰ .

2.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۱۹۹ (قرب) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 93431
صفحه از 630
پرینت  ارسال به