وقيل: الظاهر أنّ العطف للتأكيد والتفسير، وأنّ فيه حملاً وثقلاً في الجملة، إلّا أنّه لا يؤذيه لكثرة نفعه، كما أشار إليه بقوله: (إنّما سألتك أن تدعوني...)، وفيه ترغيب في الدعاء والسؤال، وفي الإتيان بالفاء التعقيبيّة المقتضية عدمَ التراخي دلالة على وقوع الإجابة سريعا. ۱
(وأن تتقّرب إليّ بما منّي أخذتَ تأويله، وعليّ تمام تنزيله) .
يقال: أوّل الكلام تأويلاً وتأوّله، إذا دبّره وقدّره ونشره، والتأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء، وفي عرف الفقهاء اللفظ المفيد المرجوح الظاهر ، وكان المراد بالتنزيل المفرد ، وهو اللفظ المفيد الذي لا يحتمل غير معناه.
ولا يبعد أن يراد بالتنزيل اللفظ، وبالتأويل المعنى.
وقيل: لعلّ الموصول عبارة عن الكتاب، وما فيه من العلوم والأسرار والأحكام، وكلّ ذلك أسباب التقرّب إليه تعالى، والمراد بتأويله بيان باطنه وباطن باطنه ولازمه ولازم لازمه وهكذا؛ إذ للكتب الإلهيّة ظهور معلومة ، وبطون مكنونة تُعلَم بتعليم ربّاني وتأويل إلهيّ، وبتمام تنزيله تنزيل كلّ ما يحتاج إليه الاُمّة من أمر الدنيا والدين. ۲
وقوله: (فإنّ فوقك فيها ملكا عظيما)؛ يحتمل أن يقرأ: «مَلِكا» بكسر اللام، وهو اللّه سبحانه، ونسبته إلى السماء؛ لأنّ ثوابه وجنّته وتقديراته وعجائب صنعه فيها.
وإن يقرأ بضمّ الميم وسكون اللام، وهو السلطان والعظمة.
وقيل: لعلّ المراد به ملكوت السماوات والأرض، وهو الذي أراه خليله عليه السلام ليكون من المؤقنين، أو الجنّة وهي موجودة الآن في السماء عند أهل الحقّ، أي ملك السماء ملك عظيم يستدلّ بها على عظمة صانعها، أو أنّه ملك ينبغي أن يكون غاية الهمّة مصروفا إلى تحصيله، والغرض منه التنفير عن الدنيا، والحثّ على العبادة، وإظهار عظمته تعالى. ۳
وقوله: (وتخوف العَطَب والمهالك). يقال: تخوّف عليه شيئاً، أي خافه. والعَطَب، بالتحريك: الهلاك، وهو الموت، والضياع.
وقيل: إنّما أمر بالتخوّف منهما؛ لأنّ الإنسان ما دام في الدنيا التي هي دار البليّة