501
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وَأَسْتَبْقِيكَ، وَلَيْسَ الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يَتَّقِي أَحَداً فِي مَكَانِ التَّقْوى، وَالْحِلْمُ لِبَاسُ الْعَالِمِ، فَلَا تَعْرَيَنَّ مِنْهُ، وَالسَّلَامُ».

شرح

السند الأوّل صحيح على قول، لكن فيه كلام ستعرفه. والسند الثاني مجهول مرسل.
قوله: (رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير) .
الإرسال: الإطلاق، والتوجيه، والاسم: الرسالة بالكسر والفتح . قال بعض الشارحين: سعد الصاحب لأبي جعفر عليه السلام كثير، ولم أعرف أحداً منهم بهذا اللقب. ۱
أقول: روى المفيد رحمه الله في كتاب الاختصاص بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال : دخل سعد بن عبد الملك ـ وكان أبو جعفر عليه السلام يسمّيه سعد الخير، وهو من ولد عبد العزيز بن مروان ـ على أبي جعفر عليه السلام ، فبينا ينشج كما تنشج النساء ، فقال له أبو جعفر : «ما يبكيك يا سعد ؟» قال : وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة المعلونة في القرآن ، فقال له : «لستَ منهم، أنت اُمويّ منّا أهل البيت؛ أما سمعت قول اللّه ـ عزّ وجلّ ـ يحكي عن إبراهيم : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» ؟! ۲ » انتهى . ۳
ويظهر منه أنّ أبا جعفر في هذا السند الآتي أبو جعفر الأوّل عليه السلام ، ففي السند إرسال؛ لأنّ الشيخ عدّ في رجاله حمزة بن بزيع من أصحاب الرضا عليه السلام .
قوله : (كتب أبو جعفر عليه السلام ) . الأنسب «قالا» بلفظ التثنية، وإن كان للإفراد أيضاً وجه.
والظاهر أنّ لفظة «في» في قوله : (فإنّ فيها السلامة من التلف) للظرفيّة، ويحتمل السببيّة .
والتلف: الهلاك، والفناء، وهو إمّا بالآفات، أو بالخصومات، أو بدواعي الشهوات وما يترتّب عليها من الوبال والنكال .
(والغنيمة في المنقلب) .
الغنيمة: الفوز بالشيء بلا مشقّة ، والمراد هنا الفوز بنجاة الدنيا والآخرة، والفلاح من عقوباتها، والوصول إلى مقام القُرب والسعادة .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۴۹ .

2.إبراهيم (۱۴): ۳۶.

3.الاختصاص ، ص ۸۵ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
500

وَالْعُلَمَاءُ فِي أَنْفُسِهِمْ خَانَةٌ إِنْ كَتَمُوا النَّصِيحَةَ، إِنْ رَأَوْا تَائِهاً ضَالًا لَا يَهْدُونَهُ، أَوْ مَيِّتاً لَا يُحْيُونَهُ، فَبِئْسَ مَا يَصْنَعُونَ؛ لِأَنَّ اللّهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَبِمَا أُمِرُوا بِهِ، وَأَنْ يَنْهَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ، وَأَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى، وَلاَ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْاءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَالْعُلَمَاءُ مِنَ الْجُهَّالِ فِي جَهْدٍ وَجِهَادٍ، إِنْ وَعَظَتْ قَالُوا: طَبَعَتْ، ۱ وَإِنْ عَلَّمُوا الْحَقَّ الَّذِي تَرَكُوا قَالُوا: خَالَفَتْ، وَإِنِ اعْتَزَلُوهُمْ قَالُوا: فَارَقَتْ، وَإِنْ قَالُوا: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلى مَا تُحَدِّثُونَ، قَالُوا: نَافَقَتْ، وَإِنْ أَطَاعُوهُمْ قَالُوا: عَصَتِ ۲ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَهَلَكَ جُهَّالٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ، أُمِّيُّونَ فِيمَا يَتْلُونَ، يُصَدِّقُونَ بِالْكِتَابِ عِنْدَ التَّعْرِيفِ، وَيُكَذِّبُونَ بِهِ عِنْدَ التَّحْرِيفِ، فَلَا يُنْكِرُونَ أُولئِكَ أَشْبَاهُ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ، قَادَةٌ فِي الْهَوى، سَادَةٌ فِي الرَّدى، وَآخَرُونَ مِنْهُمْ جُلُوسٌ بَيْنَ الضَّلَالَةِ وَالْهُدى، لَا يَعْرِفُونَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرى، يَقُولُونَ مَا كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ هذَا، وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ، وَصَدَّقُوا تَرْكَهُمْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا مِنْ نَهَارِهَا، لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمْ بِدْعَةٌ، وَلَمْ يُبَدَّلْ فِيهِمْ سُنَّةٌ، لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ، وَلَا اخْتِلَافَ، فَلَمَّا غَشِيَ النَّاسَ ظُلْمَةُ خَطَايَاهُمْ صَارُوا إِمَامَيْنِ: دَاعٍ إِلَى اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى، وَدَاعٍ إِلَى النَّارِ، فَعِنْدَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيْطَانُ، فَعَلَا صَوْتُهُ عَلى لِسَانِ أَوْلِيَائِهِ، وَكَثُرَ خَيْلُهُ وَرَجْلُهُ، وَشَارَكَ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ مَنْ أَشْرَكَهُ، فَعُمِلَ بِالْبِدْعَةِ، وَتُرِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَنَطَقَ أَوْلِيَاءُ اللّهِ بِالْحُجَّةِ، وَأَخَذُوا بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، فَتَفَرَّقَ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ أَهْلُ الْحَقِّ وَأَهْلُ الْبَاطِلِ، وَتَخَاذَلَ ۳ وَتَهَاوَنَ ۴ أَهْلُ الْهَوى، ۵ وَتَعَاوَنَ أَهْلُ الضَّلَالَةِ حَتّى كَانَتِ الْجَمَاعَةُ مَعَ فُلَانٍ وَأَشْبَاهِهِ.
فَاعْرِفْ هذَا الصِّنْفَ وَصِنْفٌ آخَرُ، فَأَبْصِرْهُمْ رَأْيَ الْعَيْنِ نُجَبَاءُ، وَالْزَمْهُمْ حَتّى تَرِدَ أَهْلَكَ؛ فَإِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ».
إِلى هَاهُنَا رِوَايَةُ الْحُسَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى زِيَادَةٌ: «لَهُمْ عِلْمٌ بِالطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ بَلَاءٌ، فَلَا تَنْظُرْ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ عَسْفٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْفِ وَخَسْفٌ وَدُونَهُمْ بَلَايَا تَنْقَضِي، ثُمَّ تَصِيرُ إِلى رَخَاءٍ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إِخْوَانَ الثِّقَةِ ذَخَائِرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَوْ لَا أَنْ تَذْهَبَ بِكَ الظُّنُونُ عَنِّي، لَجَلَّيْتُ لَكَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَقِّ غَطَّيْتُهَا، وَلَنَشَرْتُ لَكَ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَقِّ كَتَمْتُهَا، وَلكِنِّي أَتَّقِيكَ،

1.في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين: «طغت». وفي حاشية اُخرى: «طغيت».

2.في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني والوافي ومرآة العقول: «عصيت».

3.في الحاشية عن بعض النسخ: «وتخاون». وفي بعض نسخ الكافي: «وتجادل». وفي بعضها: «وتخادل».

4.في كلتا الطبعتين: «وتهادن».

5.في الطبعة القديمة: «الهدى».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108615
صفحه از 630
پرینت  ارسال به