505
البضاعة المزجاة المجلد الأول

يبدّل ملَكَة المعصية في النفس بملَكَة الطاعة . ۱
وقيل : بأن يوفّقه لأضداد ما سلف منه، أو بأن يثبت له مكان كلّ سيّئة حسنة ، وفي بعض أخبارنا ما يدلّ على الأخير. ۲
وقيل : أصل التوبة الخالصة، والعفو عن السيّئة بعدها، والثواب بها، وستره عليه حسنات مبدّلة من السيّئات . ۳
(دعا عباده في الكتاب) العزيز (إلى ذلك) التوبة (بصوت رفيع لم ينقطع) أبد الدهر، في مواضع عديدة منها قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحا» . ۴
(ولم يمنع دعاء عباده) من القبول، بل وعدهم الإجابة في قوله : «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» ، ۵ أو لم يمنعهم من الدعاء ، ولعلّ الثاني أظهر .
وقيل : الصوت الرفيع الغير المنقطع كناية عن شهرة القرآن وتواتره وبلوغه كلّ أحد إلى يوم القيامة ، وعدم منع الدعاء عبارة عن بقاء حكمه وبقاء أهله الداعين إليه، ۶ وفيه بُعد لا يخفى .
(فلعن اللّه الذين يكتمون ما أنزل اللّه ) .
قيل : لعلّ المراد بهم المجبّرة المنكرون لما تقدّم . ۷ وقيل : أشار به إلى أعداء الداعين إلى اللّه ؛ فإنّهم يكتمون فضلهم، ويحوّلون بينهم وبين دعائهم إلى اللّه ظاهراً من دون خوف . ۸
(وكتب على نفسه الرحمة) ۹ ؛ أي ألزمها عليها، أو فرضها، أو قدّرها .
(فسبقت قبل الغضب) .
الضمير المستتر للرحمة؛ يعني أنّها وصلت قبل وصوله إلى الخلق من حيث الوقوع،

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۵۱ .

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۱۴ .

3.راجع: مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۱۴ .

4.التحريم (۶۶): ۸.

5.غافر(۴۰): ۶۰.

6.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۹۲ .

7.قاله المحقّق الفيض رحمه اللهفي الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۹۳ .

8.قال المحقّق المازندراني رحمه الله: «وهي تستعمل تارة في الرقّة المجرّدة عن الإحسان، وتارة في الإحسان المجرّد عن الرقّة، وهو المراد هنا؛ لأنّ اللّه الملك المتعال لا يوصف برقّة الطبع والانفعال» .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
504

وقال بعض الشارحين :
ينبغي أن يعلم أنّ بناء الرشاد والتقوى على ثلاثة اُمور :
الأوّل : قبول الهادي وهدايته، وهو النبيّ والوصيّ عليهماالسلام .
الثاني : قبول ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله من الأوامر والنواهي وغيرهما، والتصديق بها .
الثالث : قبول ما أراد بالأوامر، والنهي من العمل بالطاعات وترك المنهيّات، والامتثال به .
فأشار إلى الثالث بقوله : (وعلموا أنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ الحليم العليم) .
قال: في ذكر هذين الوصفين ترغيب في قبول ما يلقى إليهم ؛ أمّا العلم فظاهر، وأمّا الحلم فلأنّ أخذ الحليم شديد كما اشتهر : «اتّقوا من غضب الحليم» .
وقوله : (رضاه) ؛ أي ما يوجب رضاه .
وأشار إلى الثاني بقوله : (وإنّما يمنع) ؛ أي الرحمة والعطاء (من لم يقبل منه عطاه)، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه و آله من دينه الحقّ؛ لأنّه عطيّة منه تعالى على عباده، متضمّن لمصالحهم .
أقول : لا وجه لتخصيص العطاء بما ذكر .
قال : وأشار إلى الأوّل بقوله : (وإنّما يُضلّ ۱ من لم يقبل منه هداه) ؛ لأنّ من لم يقبل الهادي إلى الطريق وأعرض عن هدايته، ضلّ عنه . ۲
(ثمّ أمكن أهل السيّئات) .
قال الجوهري : «مكّنه اللّه من الشيء وأمكنه [منه] بمعنى» . ۳
(من التوبة) أي الرجوع من السيّئات والندم عليها .
(بتبديل) سيّئاتهم (الحسنات) .
الظاهر أنّ الباء للتعليل، وفاعل «التبديل» أهل التوبة، أو اللّه سبحانه؛ أي جعل أهل السيّئات قادرين على التوبة متمكِّنين منها ؛ لأن يبدّلوا أو يبدّل اللّه بها سيّئاتهم حسنات، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ» . ۴
وقيل : التبديل بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم، أو بأن

1.في الحاشية: «من الضلالة، أو من الإضلال؛ أي ضاع وهلك، أو يضلّ اللّه ويخذل . منه».

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۵۱ .

3.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۲۰۵ (مكن) .

4.الفرقان (۲۵): ۷۰.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110316
صفحه از 630
پرینت  ارسال به