507
البضاعة المزجاة المجلد الأول

مبتدأ، وجملة «قد رفع» خبره، و«حين» ظرف للرفع . وقيل : للمبتدأ أيضاً ، فتأمّل . ۱
والمراد بعلم الكتاب العلم بأحكامه ومواعظه وزواجره، وعامّه وخاصّه، ومحكمه ومتشابهه، ونحوها .
(وولّاهم عدوّهم) أي جعل واليهم عدوّهم الديني الذي أخبر اللّه تعالى عنه في كتابه بقوله : «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا» ، ۲ وقوله : «كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا» ؛ ۳ يُقال : ولّاه، أي جعله والياً، وهذا الجعل إنّما يكون بالتخلية بينهم وبين مشتهيات أنفسهم، وسلب اللطف والتوفيق عنهم .
(حتّى تولّوه) . الضمير المنصوب للعدوّ ؛ أي اتّخذوه والياً أو وليّاً لهم .
وقيل : أي تولّوا الكتاب، وأدبروا عنه، وأعرضوا عن علمه . ۴ يُقال : تولّى، أي أدبر، وعنه: أي أعرض، أو نأى ، فتأمّل .
وقوله : (أقاموا حروفه) أي كلماته وما يتبعها من الإعراب والبناء، ومحسّنات القراءة وتصحيحها، وحفظها من التحريف والتصحيف .
(وحرّفوا حدوده) أي أحكامه بأن أوّلوها بآرائهم، وجعلوا حلاله حراماً وبالعكس ، وسيأتي بيان جملة من هذا التحريم .
(فهم يَروونه) بضبط حروفه وألفاظه .
(ولا يرعونه) .
في القاموس: «راعى الأمر: حفظه، كرعاه» ؛ ۵ يعني أنّهم لا يحفظون حدوده وأحكامه، فمثله «كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً»۶ بل أقبح منه؛ لأنّه لا يحرّف ما حمله .
(والجهّال) .
الظاهر أنّ المراد بهم النابذون للكتاب، فيكون من باب الإظهار في موضع الإضمار للتصريح بجهلهم .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۵۲ .

2.البقرة(۲): ۱۶۶.

3.الأعراف(۷): ۳۸.

4.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۳۵ (رعي) .

5.الجمعة(۶۲): ۵.


البضاعة المزجاة المجلد الأول
506

أو سبقت إليه تعالى من حيث الصدور؛ فإنّ بداية وجود الخلق وكمالاته اللاحقة به من غير سبق استحقاق، وأنّ نزول غضبه تعالى على العُصاة وعقوبته لهم بعد سلبهم قابليّة الرحمة عن أنفسهم سوء صنيعهم .
(فتمّت صدقاً وعدلاً) أي كلمة كتابة سبق الرحمة الغضب والوعد بها وتقديرها، أو تمّت هذه الكلمة كما في قوله تعالى : «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلاً» . ۱ قال البيضاوي : «أي بلغت الغاية أحكامه ومواعيده «صِدْقاً» في الأخبار والمواعيد «وَعَدْلاً» في الأقضية والأحكام» .
قال : «ونصبهما يحتمل الخبر، والحال، والمفعول له» . ۲
وقيل : لعلّ المراد هنا بتماميّة صدق الرحمة، وعدلها وقوعها موقعها على وجه الصواب؛ إذ لا يتصوّر الخطأ من رحمته تعالى بخلاف رحمة الإنسان بعضهم بعضاً . ۳
ثمّ إنّه عليه السلام أراد أن يشير بكيفيّة سبق الرحمة على الغضب، فقال : (فليس يبتدئ العباد) بالنصب على أنّه مفعول «يبتدئ»، وفاعله المستتر راجع إلى اللّه .
(بالغضب قبل أن يُغضبوه) من الإغضاب؛ أي يفعلوا ما يوجب غضبه وعقابه ، وهذا بخلاف ابتدائهم بالرحمة كما مرّ.
(وذلك) العلم المذكور، يعني العلم بإيجاب غضبه على من لم يقبل منه رضاه، إلى آخره (من علم اليقين).
إضافة العلم إلى اليقين من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ؛ يعني أنّ ذلك كلّه من العلوم اليقينيّة التي لا ريب فيها .
(وعلم التقوى) أي وذلك من العلم الذي يتّقى به من عذاب اللّه ؛ إذ من أنكره وجهل به فهو كافر مستحقّ لعذابه ، أو علم يبعث النفس على التقوى ، أو علم هو من ثمرة التقوى ونتيجته التي لا تحصل إلّا في المطيع الخالص عن كدر شبهات الأوهام .
والظاهر أنّ قوله : (وكلّ اُمّة) مبتدأ ، وقوله : (قد رفع اللّه عنهم علم الكتاب) نعت له .
وقوله : (حين نبذوه) ؛ أي طرحوه وراء ظهورهم، ظرف مستتر خبره . وقيل : «كلّ اُمّة»

1.الأنعام(۶): ۱۱۶.

2.تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۴۴۵ .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۵۲ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110050
صفحه از 630
پرینت  ارسال به